قَالُوٓاْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ
هل كان سؤال الملائكة هنا للاستنكار أم للتعجب؟! تعلمنا في حصة البلاغة أن هذه الصيغة للإثنين معا. و لكن هل يستنكر الملائكة على الله و هم في حضرته السماوية يحدثهم و يحدثونه بينما يستكتر البعض على الانسان الوقوع في الشك ناهيك عن الوقوع في المحظور؟ إجابتك و لابد ستكون حسب موقعك من الله و من الملائكة بل و موقعك من نفسك كإنسان.
ان كنت ترى جانبك الإلهي الملائكي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه فلسوف ترى الملائكة واقفين بذل و خشوع يسألون بغرض الاستفهام و الاستبصار فقط لا غير. فلا استنكار و لا تعجب في حضرة أحكم الحاكمين علام الغيوب. أما ان كنت ترى في نفسك جانبك الإنساني الذي لن يدرك حكمة الله فضلا عن أن يدرك كنهه فلسوف ترى الملائكة رافعي رؤسهم من دهشة لا تخلو من التحدي المستحق للتوبيخ إذ قال لهم ربهم تذكيرا بمكانهم و ردعا لحسهم الثوري غير المألوف:
إِنِّىٓ أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
هنالك ارتد الملائكة صاغرين مطأطئي الرؤس مرة أخرى مسلمين بأن الحكمة الإلاهية أعظم من أن تدركها رؤسهم سواء رفعوها أو أجبرت على الإنحناء.
توقفت عند الأمكنة التي قصدها صبري موسى هنا و الرواية لم تدر إلا في مكان واحد محدود في صحراء تحفها الجبال و يوقف تمددها البحر فما وجدت إلا أنه يدلل بإفساد الإنسان لمكان واحد على إفساده لكل مكان تطؤه قدماه. فبعد أن تكالبت شعوب الأرض على الجبل فنبشته و ثقبته و استخرجت أحشائه و فعلت به الأفاعيل و بعد أن ظنت أنها روضته و استوطنته إذ به يلفظهم جميعا بعد أن دنسوه و لا يبقي إلا على أصحابه الأصليين و سدنته المخلصين.
رواية ساحرة و غريبة تستحق الوقوف و التأمل.