أثر النبي - قصص قصيرة من وحي السيرة > مراجعات رواية أثر النبي - قصص قصيرة من وحي السيرة > مراجعة Hesham Wahdan

أثر النبي - قصص قصيرة من وحي السيرة - عمر طاهر
تحميل الكتاب

أثر النبي - قصص قصيرة من وحي السيرة

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

المجموعة القصصية: أثر النبي

عمر طاهر

أومن بأن كتابة القصة القصيرة صعبة وتحتاج إلى مهارة عالية قد لا تتوفر في أغلب الكتاب وهو ما يدفع البعض بالاكتفاء بملعب الرواية ..فأنامل الكثيرين ترتعش لحظة كتابة القصة القصيرة والتي تحتاج إلى فن المرواغة والتكثيف والتعبير بأقل قدر ممكن من الكلمات ، الإمساك باللحظة والتعبير عنها في القصة القصيرة والتحرك داخل إطار ضيق أمر مرهق يحسد عليه من يجيدون هذا الفن ، فليس لدي الجميع موهبة تجعلهم يضعون القارئ في قلب القصة القصيرة والتفاعل معها داخل إطار محدود من الصفحات وأحيانا شخصيات محدودة وزمان قصير ومكان واحد ؛ في هذه المجموعة يتخلي طاهر عن كتابته الساخرة ويخوض غمار تجربة جديدة داخل ملعب القصة القصيرة عائدا إلى التاريخ..ليس هذا فقط وإنما ايضاً نري الوجه الصوفي والجانب المتصوف داخل عمر والذي أهدي إلى شيخه التيجاني هذه المجموعة .. ليتتبع خط سيرة النبي وآل بيته في مجموعة هادئة تحرك وجدان المتلقي وتضعه في غمرة الوجد والنشوة.

القصة الأولي

في القصة الأولي يتخلي طاهر عن سخريته اللاذعة وعن لغته الأثيرة ويختار لغة ذات رونق تليق على الزمان وبيئة النص والحدث ففي قصة زينب نشاهد الشتات والعصف الذهني الذي عاشته زينب ابنة الرسول بين زوجها وعدم إيمانه برسالة أبيها وبين قلبها المؤمن وتمنيها له بالهداية..في عدد صفحات قليلة يغوص عمر داخل نفس زينب عارضا تلك الأزمة الكبري داخلها ..حتى يكاد من يقرأ أن تنتقل له الأزمة ليصبح شريكاً فيها ، وبقدرة هائلة على الاختزال حملت سطور القصة الكثير عبر فصول قصيرة فلم يعمد طاهر إلى أن تكون بنية النص ذات بنية عمودية لا فواصل فيها ، وبين هذا الشتات والتمني والرغبة تدور القصة في إيجاز وإيقاع لاهث .. ينبض بالمشاعر وبالاقتباسات المناسبة لطبيعة وجوهر النص وكأن عمر قد ركب ألة للزمن وشاهد عن قرب ما رواه بمشهدية رائعة تستعجب منها مع عدم طول القصة وتدفق السرد وضبط معدل الحوار بميزان دقيق .

في القصة الثانية الحفيدة المنسية ، يمارس عمر هوايته المحببة إلى نفسه إعادة النبش في باطن التاريخ عن الحكايا المنسية.. إذ يستكمل هنا مأساة زينب بمأساة ابنتها ..وقد أفلح في عرض أكثر لحظات حياتها شجن وحزن .. بدءاً من قصة حب أبيها وأمها ومأساتهم وصولاً إلى زواجها وقتله وزواجها بعده وفي المنتصف يستعرض أدق التفاصيل حميمية في حياتها ، علاقتها مع جدها رسول الله وحبه المتناهي له وخاصة حينما أعطاها القلادة التى غارت السيدة خديجة أن يعطيها لغيرها فأعطاها لصغيرتها وصولاً للحظات موت أمها وإيقاع علاقتها بأبيها شديد العذوبة ، أجاد عمر الكتابة والوصف في هذا النص شارحاً أدق التفاصيل معتمداً علي نفس البنية التي استخدمها في قصته الأولي زينب .

وفي القصة الثالثة رقية والتي يتابع فيها عمر تقصي عذابات آل البيت محاولا إيصال فكرة أن النبي وحده لم يدفع ثمن رسالته بل شاركه كل آل بيته من مأسي.. يبدأ طاهر انطلاقة قصته وهي دوماً المؤشر على جودة أي قاص ..بزيجة رقية من عتيبة وحياتها في بيت ام جميل التي أنزل الله فيها القرآن وتوعد لها بالعذاب ..ثم يسير في خط سريع مكثف مارا على حياتها كلها وزواجها من سيدنا عثمان وكيف أحبها سرا حتى قبل إسلامه ثم وفاة ابنها مستدعيا اللحظات التعيسة في حياتها .. وكأن عمر اختار اللحظات الحزينة ليحرك الدموع في أعين قرائه.. مستخدماً لغة عذبة ومتحررة من أثقال من يكتبون النص التاريخي ..فبدت مثل السهل الممتنع .

أما في القصة الرابعة

فيحكي طاهر عن شتات زيد بن عمرو ورفاق له ببنبة مختلفة عن بينة قصصه الثلاث السابقة ، فهو هنا لا يتخذ من الحزن والمأساة نقطة للانطلاق بل ينطلق من رحلة بحث زيد ما قبل الإسلام عن الله ..وعن اقتناعه التام بأن ما يعبده أهله وقومه ليس دين الحق ، يصف طاهر رقة قلب زيد التي دفعته لإنقاذ عشرات من البنات من الؤاد قبل الإسلام.. ففي هذا النص يدعو طاهر إلى اعمال العقل وكيف أن البصيرة تقود صاحبها إلى فهم واستكشاف ما لا يظهر لغيره..ثم يعمد في نفس النص إلى تقفي أثر أصدقاء زيد من صادفه الحظ وأدرك الإسلام في حياته أو من مات باحثاً عن الحقيقة قبل الدعوة كزيد..هنا عمر طاهر يدعونا إلى البحث التام ليس بالعقل فقط وإنما بالقلب أيضاً..فالقلب يبصر قبل العين .

في القصة الخامسة وهي من أكثر القصص إتقانا في العمل وحرفية يتتبع الكاتب قصة حياة أبو ذر الغفاري عبر خطين متوازيين خط للحظة مشيه وحيداً في الصحراء ليلحق بركب الرسول في غزوة تبوك ثم خط آخر مشابه وهو يتذكر رحلته الأولي إلى مكة لاستكشاف دعوة الرسول ليكون سادس من أمن به معلناً إسلامه رغم طلب الرسول كتمانه أمام أهل مكة ليتعرض إلى التنكيل والعذاب حتي قارب أن يموت وكأن أبو ذر أراد بهذا الإعلان أن يطلق صرخة اعتراض على ماضيه ليتطهر وليعلن أنه وجد ما كان يبحث عنه ، يعرض طاهر في عبر متن قصته النداء الروحي الذي تعرض له أبو ذر بدءاً من كونه كان قاطع طريق يقوم بمهمة سرقة قافلة فيكتشف أمر دين محمد فيخوض رحلة طويلة ليصل إلى هناك حتى أنه جلس أكثر من شهر على شرب الماء فقط من بئر زمزم ، هنا يعرض طاهر الجانب الروحي لا العقلي الذي يحرك أبو ذر نحو مصيره الذي ظل يبحث عنه حتى لحظة إسلامه وهي لحظة من اللحظات شديدة العمق والايحاء داخل النص والقصة ثم يمر على تعاقب حياته مع عثمان ومعاوية وغيرهم وكيف انتصر للمهمشين والفقراء ..لينتهي خط السرد الأول عبر كلمة الرسول التي قالها له لتلخص حياته ومماته

رجل يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده..وهو ماحدث في نهاية حياته حينما دفن وحده وصلي عليه عابري الطريق .

وفي القصة السادسة يعود طاهر للحديث عن آل البيت وعن ابنة رسول الله ..ام كلثوم ، ليتسعرض ما لاقاه الرسول من عتيبة زوجها ودعوته التي أصابت عتيبة فقتلته ..فمات يقول : ايقتلني محمد وهو في مكة وأنا في الشام . يبدأ عمر قصته بلحظة وفاة أم كلثوم ورسول الله يأمر من يغسلنها بطريقة تغسليها ، هنا يختار عمر لحظة شديدة القسوة على قلب الأب..رسول الله صلي الله عليه وسلم ..فيختار الحزن مفتاحا لفهم وشرح حياة أم كلثوم ، كيف تحملت العذاب مع الرسول في مهد الإسلام قبل انتشاره لتقوم بدور الابنة والأم في وقت واحد ثم زواجها من عثمان وحياتها معه ؛ درساً آخر يمرره عمر بين السطور وهو كيف لقلب النبي أن تحمل وفاة كل أحبائه في حياته ؟ هل أراد الله أن يعلمنا الصبر عبر أثر النبي ؟

يستكمل عمر في القصة السابعة سيرة حياة أم أبيها ..السيدة فاطمة ، واصفاً ميلادها بحدث تاريخي أرخ عمر له بعذوبة وحكي متدفق ثم استعرض واحد من أقسي مشاهد النص وهن إيذاء قريش لرسول الله لتحرسه فاطمة في طفولته وتزيل عن ظهره أمعاء الشاة التي ألقاها عليه كفار قريش ..في هذا المشهد برع عمر في الوصف وفي التحول في رد فعل فاطمة من لحظة الشفقة إلى أبيها في البدء ثم لحظة القوة وهي تحرسه أمام أفواج قريش حتى أنهي صلاته ..هذا مشهد من المشاهد المبهرة.

مشهد آخر في نفس القصة وهو من المشاهد المبكية لحظة موت السيدة فاطمة ثم طلب أبو بكر رؤيتها ليطلب منها السماح على ما أساء فهمه كما ظنت حينما منع عنها ميراث النبي .. لم يبكي أبو بكر الصديق وحده حينها بل صاحبتني دموعي وأنا أقرأ هذا المشهد متخيلا ما كان يشعر به أبو بكر حين قالت له كلمات الرسول من أرضي فاطمة فكانما ارضاني ومن اغضبها فكأنما أغضبني.

في القصة الثامنة والتي اعتبرها أقرب إلى الحكاية فقد خرج طاهر فيها خارج إطار القص الذي سار عليه داخل القصص السابقة ..فقد عمد إلى المزج فيها بين الحاضر والماضي عن طريق سرد قصة ماريا القبطية مستحضرا حكايات حدثت لكيف أحب المصريون الرسول وآل البيت ، والعتاب العفوي الذي وجهته سيدة مصرية تم إساءة التعامل معها أثناء زيارة الرسول لتعرب عن حب وفطرة المصريين لرسولهم وآل بيته وهو ما اتخذه عمر نقطة انطلق منها إلى رواية حكايته عن مارية القبطية أم إبن الرسول الذي بكاه حزناً وحبا لما رحل .

في القصة التاسعة وهي بعنوان

حاطب إبن أبي بتلعة .. وفيها مشهدية عالية تفوق باقي قصص المجموعة ..ففي البداية يشرح طاهر البعد الإنساني لحاطب الذي اختاره الرسول ليكون رسوله إلى المقوقس حاكم مصر ليدعوه إلى الإسلام وقد كان يختار الرسول إلى تلك المهام أفصح الرسل ، جمع حاطب بين الفروسية وبين الشعر ..وهو ما وصفه الكاتب وصفا دقيقاً .. شارحاً كيف أفادت الفروسية حاطب في كتابة الشعر وكيف أفاد الشعر حاطب ليكون فارس مغوار وهنا قد يبدو تضاد غير مفهوم بين رقة قلب الشاعر وشجاعة الفارس .. في القصة تبدو الصور البصرية ووالوصف في أعلى درجات إكتماله خاصة في مشهد الرسل الذين أرسلهم الرسول ..هنا درات في رأسي صورة مشابهة لكاميرا مصطفي العقاد في فيلم الرسالة في مشهد بداية الفيلم ويبدو تأثر طاهر هنا واضحاً بالمشهد ..قصة رائعة بلا شك .

في القصة العاشرة لا يستعرض طاهر حياة السيدة آمنة والدة رسول الله فقط وإنما في صفحات قليلة يقص بمتعة ومهارة قصة جد الرسول وأبيه بدءاً من حفر بئر زمزم بعد أن ردمته السنون مروراً بقسم جد الرسول أن يذبح أحد فتيانه أن أنجب ما يريد ثم وفاة أب الرسول سريعاً..ثم زواجه من السيدة آمنة ووفاتها أيضاً.

قصة قصيرة موجزة رغم غزارة أحداثها..ولعل عمر أراد الترميز بقصرها إلى قصر عمر أبطالها.

في القصة ما قبل الأخيرة: يتحدث طاهر عن حليمة السعدية مرضعة النبي شارحاً الظروف والفقر اللذان دفعاها إلى البحث عن مصدر رزق لصغيرها وأسرتها فاختارت العناية الإلهية أن تفوز هي بالرضاعة لنبي الله بعد أن داهم الحزن أمه على أبيه ، يسرد عمر إمارات النبوة التي اختص بها الله رسوله منذ الطفولة كالبركة والخير ومعرفة العراف في السوق بأنه نبي الله وأمره الناس بقتله وكيف تمسكت به حليمة حتى صار عمره ٦ سنوات ...قصة ممتعة بسيطة ذات إيقاع سريع .

أما القصة الأخيرة وهي عن السيدة أسماء بنت أبي بكر : وفيها يستعرض سيرة أسماء بإيجاز وبايقاع سريع كعادة كل قصص المجموعة.

نقطة من نقاط قوة المجموعة هي أنها لم تقدم التاريخ والسيرة بنظرة جافة بل حاول طاهر أن يقدم التاريخ الإنساني عارضا أزمات بشرية ولحظات ضعف وشجن ومأسي متعددة وكأنه أراد أن ينزع من التاريخ جموده ليحوله إلى سيرة إنسانية قد تختص اينعم بأل البيت لكنها تقدم في النهاية سيرة بشر للبشر ؛ مجموعة رائعة وممتعة وأجاد عمر اختيار قصصها وترتيبها من أول قصة إلى آخر قصة .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق