مُقَامرةٌ على شرف الليدي مِيتسي > مراجعات رواية مُقَامرةٌ على شرف الليدي مِيتسي > مراجعة Nasser Ellakany

مُقَامرةٌ على شرف الليدي مِيتسي - أحمد المرسي
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

مقامرة على شرف الليدي ميتسي، رواية الأديب المبدع أحمد المرسي التي وصلت عن جدارة إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، استقبلها واحتفى بها النقاد بمذاهبهم والقراء بأطيافهم والمجتمع الأدبي والثقافي بألوانه في مصر والعالم الناطق بالعربية.

أبطال الرواية هم أربع شخصيات مع أمنياتهم.

سليم حقي ... الضابط المعزول الذي دفع ثمن موقف اتخذه فوجد نفسه في ضائقة مالية خانقة ... يبحث عن الوفرة والمال لأجل القدرة على رعاية زوجته المريضة عايدة.

مرعي المصري ... سمسار رهانات الخيول المخادع الذي يقترف كل شيء حتى خذلان زينب التي يطارده شبحها في كل مكان ... يبحث عن القيمة والتطهر وراحة الضمير الذي يمكن أن يسترد به جزء من نفسه.

الليدي ميتسي ... الأرملة الإنجليزية التي فقدت ابنها ضمن كل ما فقدت في الحياة وتعيش الوحدة ... تبحث عن المعنى وعن لحظة قد تشعرها باستعادة ابنها أو بالتعافي.

فوزان الطحاوي ... الصبي الذي يحيا الظلم والقهر والفقر في واقعه وفي عالمه الضيق الصغير ... يبحث عن المعرفة واكتشاف الفرص الممكنة التي يمكن أن تقدم شيئاً جديداً.

تلتقي الأمنيات الأربعة في بوتقة واحدة، بعد أن جمعتهم الأقدار في لحظة زمنية كثيفة، فكان الفوز في سباق الخيل لفرستهم "شمعة" هو السبيل إلى تحقيق ما يظنون أنها أمنياتهم، فهل تتحقق الأمنيات بهذه البساطة.

من صورة فوتوغرافية قديمة بها الفرسة شمعة يمتطيها فوزان وتمسك بلجامها ميتسي وعلى جانبيها سليم ومرعي، تمضي الحكايات وتتتابع الفصول وتتشابك الأحداث وتتداخل خطوت الدراما لتنسج لنا هذه الرواية البديعة، وكانت اللغة المستخدمة تنتمي إلى زمن أحداث الرواية مع بعض المفردات الغريبة التي أشعلت الفضول لدى القارئ، مما ساعد على خلق الصورة المكتملة بها.

في طيات النص رأينا المشاهد الحية والحركة والميزانسيه، والديكور والملابس، والقطع والمونتاج، والسيناريو والحوار، لم نعد ندري هل نحن نقرأ رواية أم نشاهد فيلماً سينمائياً.

بعيداً عن جمال اللغة والأسلوب والحبكة والبناء والتقنيات وعن تمكن الكاتب من كل أدواته في صنع هذه الرواية البديعة، فقد وجدت في الرواية مغامرة عقلية، استطاع فيها الكاتب تجريد واقعنا من صخبه وضجيجه عن طريق عمل إزاحة زمنية إلى ما قبل مئة عام مضت، فوجدنا أنفسنا في واقع مشابه لواقعنا، ثورة ووباء وحروب منهِكة، ظلم وأسى وآمال باهتة، ثم أمنيات هائمة ومبعثرة، لكنه واقع أقل صخباً وضجيجاً من واقع عصرنا، نستطيع فيه أن نرى الحكاية بوضوح.

رأيت في الرواية محاولة لترتيب الأوراق، تلك الأوراق التي بعثرتها رياح الظلم والقهر والكذب والزيف، وفقد الاتجاه الصحيح، رياح الحياة بما فيها مِن بشر ومجتمعات، رياح العالم الذي نعرف أنه مكان غير عادل على أحوالنا وغير أمين على أمنياتنا، مكان يملؤه الصخب المزعج والضجيج الفارغ.

رأيت في الرواية زمنين هما ١٩٧٥ و ١٩٢٠، لكن يوجد زمن ثالث مضمر هو الزمن الحاضر، فعلى الرغم من أنه غير موجود في الرواية، فإن الرواية موجودة فيه.

علاوة على أوجه التشابه المذكورة بين زمننا وزمن أحداث الرواية، يوجد وجه تشابه آخر شديد الأهمية، وهو أنه في كلا الزمنين كان هناك قلق فكري وفلسفي شديد، ذلك الذي ينتاب البشرية عادة في الفواصل بين انتهاء مرحلة من حياتها وبدء مرحلة جديدة.

أخذنا أحمد المرسي إلى لحظة زمنية في الربع الأول من القرن العشرين، عندما كان العالم كله والبشرية كلها "تُراجع أمنياتها" إن صح التعبير.

بعد قرون من الحداثة ظنت خلالها البشرية أنها عرفت الطريق وتوصلت إلى المعاني وامتلكت الأدوات، فإذا بها تدرك أنها ربما ما زالت عند نقطة الصفر، ثورات جامحة وحروب طاحنة وحقب استعمارية ظالمة وأوبئة مرعبة وسقوط مدوِ لممالك ونظم وأنساق، واضطرابات مربكة في الأدب والفن والفكر والفلسفة، فأين ذهبت كل الأمنيات.

جاءت مرحلة ما بعد الحداثة لتقلب الطاولة في وجه الحداثة خلال القرن العشرين، لكنها يبدو أنها أيضاً تاهت في دروب تشظي الأفكار واختلال المعاني وتشرذم المفاهيم وبعثرة الأوراق.

حتى جاء القرن الجديد لتبرز مرحلة جديدة تحت التشكيل ما زالت تبحث عن اسم، أحياناً يسمونها (بعد ما بعد الحداثة)، مرحلة تحاول إعادة تنقية الحداثة بدلاً عن رفضها وإعادة تهذيب ما بعد الحداثة بدلاً عن التيه معها، وهكذا يجيء أحمد المرسي ليعيدنا مائة عام إلى الوراء بعيداً عن صخب وضجيج العصر، كي نحاول معه ترتيب الأوراق ومراجعة الأمنيات.

لنراجع الأمنيات؛

سليم مع الوفرة والمال الذي يمكن أن يجعل أيام عايدة وأيامه أفضل،

ومرعي مع القيمة والضمير التي يمكن أن تغفر له زينب بها،

وميتسي مع المعنى والتقدير الذي يمكن أن يعوضها عن الفقد والوحدة،

وفوزان مع المعرفة والشغف الذي يمكن أن يفتح كل آفاق الحياة.

أليست تلك الأمنيات هي نفسها كل أمنيات العالم؛

الوفرة التي تقود إلى الرفاهية

القيمة التي تقود إلى السكينة

المعنى الذي يقود إلى السعادة

المعرفة التي تقود إلى الحكمة

انتهت الرواية، وأغلق أحمد المرسي الكثير من الأقواس التي كان قد فتحها في بدايتها؛

سليم ... يحاول الانتحار ثم يستعيد عايدة ويقضي معها سنواتها الأخيرة

مرعي ... يساعد فوزان في العودة لجزيرته ثم يحاول العودة إلى حياته

ميتسي ... تترك الحصان ومحاولاتها للتعافي في مصر وتعود لإنجلترا

فوزان ... يعود إلى جزيرة سعود ويحيا بلا أمنيات

أجاد أحمد المرسي في لعبة فتح الأقواس وإغلاقها، في مشهدي الجرامافون وعربة الكارو في أول الرواية وفي آخرها، وغيرها من المشاهد، وفي استحضار البارون إمبان كضيف شرف في الرواية، وفي وصف المشهد العبقري لفوزان في بداية ونهاية الرواية:

❞ وجدوه نائمًا في فراشهِ على جانبه كجنين، نحيل، كأنما مات منذ ألف سنة، مُغمض العينين، فاغرًا فاه، وقد ضم يديه إلى صدره، كمن يترجى الموت لإعطائه مهلة أخرى ❝

... ثم ...

❞ عندما سيجدون فوزان الطحاوي ميتًا سيجدونه مثل الجنين، ولكن الحقيقة أنه سيكون في وضعية الركوب، كما علَّمه مرعي أفندي أن يركب كالقرفصاء، ويداه لم تكونا تترجيان الموت كما ظنوا، ولكن تمسكان لجام فرسه، التي لكزها في هذه اللحظة في ذاك الحلم الأخير، فانطلقت، تجري، وتجري لا يسبقها أحد ❝

الأديب المبدع أحمد المرسي مشغول بأسئلة الوجود الحائرة، ويطرح العديد منها في رواياته:

فقد طرح سؤال الخلود في روايته الأولى "ما تبقى من الشمس"،

وطرح سؤال القدر في روايته الثانية "مكتوب"،

وطرح سؤال الأمنيات في روايته الثالثة "مقامرة على شرف الليدي ميتسي"،

تُرى أي سؤال يشغله الآن، وتُرى ماذا ستحمل لنا روايته القادمة.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق