سوسو بابا... لعبة السيطرة بتفاصيل أدبية مؤلمة"
يقولون أن الأطفال أحباب الله، البراءة والبهجة التي نعيش من أجلها، نحكي لهم الحكايات قبل نومهم كي يستمتعوا بأحلام سعيدة، ونكتب لهم أدب الطفل كي يعيشوا حياةً متزنة، لكن ماذا لو صار أدب الطفل دعوة للعنف؟ وماذا لو صار الطفل نفسه ميلادًا وسببًا للجريمة ليس للرقة والوداعة والبهجة!
يبدأ النص بافتتاحية مذهلة، بلغة مختلفة كاشفة عن هوية النص، مشهد جريمة شاهده الجميع، وتأثروا به كثيرًا خاصًة الأطفال، وضعت هذه الافتتاحية القارئ في قلب النص بصدمة، ودفعته إلى لب الحكاية ليصير جزءًا منها يعيش ويتعايش معها، ويتساءل بكل تلهّف عن سبب هذه الجريمة وتبعاتها، وما علاقتها بالكاتب "سوسو بابا".
"سوسو بابا" يكتب للأطفال، لكن ليس أدب الطفل المعتاد، بل يتّسم بجرأة وعنف لا تناسب الأطفال، أو ربما أطفال ذاك الوقت لا يتناسبون مع المعتاد من أدب الطفل، وتتوالى حكايات يظهر فيها أثر "سوسو بابا" ولو لم يظهر بجسده كثيرًا.
النص على لسان راوي ذاتي، كاتب وناقد، يحكي عن معاناته مع الكتابة والنشر، وعلاقته بما يحدث حوله من تأثير "سوسو بابا" المرعب، الغير مسبوق في عالم الأدب.
لغة النص مناسبة لأقصى درجة، بديعة، لغة من داخل النص وليست دخيلة عليه، أو مدّعية جماليات غير موجودة، متّسقة مع لسان حال الكاتب الذي يروي حكايته، بتلقائية وقلق.
النصف الأول من الرواية ممتع للغاية، تشعر بحالة مختلفة جاذبة، عالم جديد في تفاصيله، علاقات متشابكة بين كاتب يريد أن يقدّم كتابًا عن النقد، وناشر عنيد وغامض تتضاعف عليه التساؤلات، وأحداث مشوّقة غريبة من وجود أطفال ترتكب جرائم، وأهالي تتبرأ من أطفالها وتخشى حبهم للعنف والتدمير!
في المتبقي من النص شعرت بتشتيت بين الخطوط، فجاء خط "الخديم" و "الشيخ" مشتتًا، لم أشعر بربطه القوي بالأحداث، بل شعرت أنه يسحب اهتمامي من حالة النص إلى حالة أخرى بعيدة، إلى جانب الخط الزمني الذي جاء كذلك مشتتًا، تسبب في حيرتي إن كنت في الماضي أم الحاضر.
النص حالة مختلفة، تفاصيله بها كثير من الغرابة، ربما تمنيت مزيدًا من الربط والاتساق مع بناء الرواية، الذي بدأ بصورة أكثر من رائعة، وانتهى بنهاية جيدة.
تجربة أدبية ممتعة، مختلفة، ونص له هوية مستقلة، بسردٍ مميّز ومتّسقٍ مع لغته، وكاشف لقدرة الأدب التي تتجاوز الصفحات والأزمان من الشغف إلى المتعة إلى حب السيطرة.