(سراب دجلة) عن غربة المرء في وطنه..
«اعتاد تكرار الأيام، ولكنه أبدا لم يعتد غربته.»
يحيا الإنسان منذ ولادته في البيئة التي قُدر له أن يولد بها. لم يختر أهله ولم يختر وطنه. حتى اسمه لم يختره. باختصار يولد الإنسان وحده وهو لا يملك غير صرخته الأولىٰ معلنًا من خلالها اعتراضه علىٰ كل ما قُدر له أن يتعايش معه منذ لحظة مجيئه للدنيا.
وفي رواية اليوم يرىٰ القارئ قصة قد تبدو عادية عن عائلة كبيرة لم يختر أفرادها بعضهم بعضًا، ولكن اختار أحد أفرادها أن يفرقهم الطمع ويشتت شملهم الظلم.
عائلة يخرج منها رجل مُقاتل. لا يرىْ أمامه سوىْ هدف وحيد وهو استعادة أرض الوطن واليوم يأتي دور ولده في استعادة جزء من الأرض المنهوبة، ولكن ليس من أعداء الوطن هذه المرة وإنما من أهله وإخوانه. وهنا يظهر جذور الصراع الخفية داخل العمل الروائي. حيث يرىٰ القارئ علىٰ مدار الأحداث مقدار الألم الدفين في روح البطل وولده، البطل الذي استطاع هزيمة الأعداء واستعادة الأرض المنهوبة مرة أخرىٰ. المقاتل الذي استعاد شرفه وشرف أمته، صار بين ليلة وضحاها رجلًا ضعيفًا، مهزومًا، لا قدرة له علىٰ مواجهة من سرق أرضه في المرة الثانية. لأن العدو هذه المرة كان الأخ القريب لا الغريب البعيد.
وهنا مكمن الألم الذي لا يداويه أي نصر مهما عظم قدره.. فمن يفرح بانتصاره على أخيه وإن كان يعلم يقينًا أنه علىٰ حق؟
حسنًا يمكن للمرء أن ينتصر في حربه علىٰ أعدائه، ولكن حربه مع أهله لا نصرة فيها ولا عزة. فلا قدرة لأحد علىٰ الخروج منتصرًا من معركة هُزمت فيها نفسه.
★★★★★
«في الحرب لا مكان للمشاعر. ولا مكان لحب أي شيء سوىٰ الوطن. حتىٰ حب الحياة يتلاشىٰ خلف خفقات قلوبنا بإرادة النصر.
تنتهي الحرب ولا تنتهي آلامها، يعود الجميع من الحرب تصحبهم آلامهم إلىٰ نهاية العمر، في الحرب يا ولدي حتىٰ المنتصر يخسر!»
..المميز في رواية (سراب دجلة) للكاتب/ خالد عبد الجابر أن قارئها قد يشعر في البداية أنه أمام قصة عادية عن أخوة أحدهم ظلم الآخر وأكل حقه، ولكن بتتابع الأحداث سينكشف للقارئ مغزى العمل الحقيقي. فالأمر كله يتمحور حول رحلة بحث في دواخل النفس البشرية وما قد يؤول إليه مصير أسرة متحابة من هزيمة وشتات لمجرد أن أحد أفرادها قد طمع في غير حقه. مما يؤدي لتآكل المجتمع داخليًا وهزيمته علىٰ أيدي أفراده أنفسهم، ومن يتبقىٰ منهم باحثًا عن طريق للنجاة لن يجده سوىٰ في هجرته الطوعية لبلاد لا تعنيه وأفراد لا يشعر تجاههم بشيء. فربما تنسيه غربة الوطن وهجر الأهل قسوة ما عاناه سابقًا.. لأن هوان الغربة والفقد ساعتها سيكون أخف وأرحم من محاربة الأهل والأحباب.
★★★★★
#قراءات_حول_العالم