مراجعة رواية #تفصيل_ثانوي للروائية الفلسطينية #عدنية_شبلي 📝:
تساءلت عدة مرات بعد إستماعي للروائية عدنية شبلي في ندوة لها،ما سبب مكوثها ثلاثة عشر سنة لكتابة رواية قصيرة لا تتجاوز عدد صفحاتها 120 صفحة؟وأظنني تحصلت على الإجابة.
لقد كتبت الروائية بكل تأن وروي و بكل فن،فقط أبدعت وحقيقة إنبهرت.
رواية ذكية،عميقة،دقيقة،كل سطر له معنى،ذو مغزى و ذو رمز.
الرواية تبدو بسيطة،ليست بها أحداث كبيرة ولا أحداث لم نعهدها ولا شخصيات عدة ولا أمكنة متعددة ورغم ذلك وفي نفس الوقت تكمن بها وبين سطورها كل التفاصيل.
تنقسم هذه الرواية إلى جزئين أو بالأحرى إلى فترتين زمنيتين.
القسم الأول يروي أحداث وقعت سنة 1949و إمتدت مدة خمسة أيام.
يروي واقعة إغتصاب لفتاة بدوية، فلسطينية،شابة على يد جنود إسرائليين ثم قتلها في بقعة في صحراء النقب.إذ كانت مهمتهم حينذاك ترسيم الحدود الجنوبية مع مصر ومنع المتسللين في إختراقها وتمشيط القسم الجنوبي الغربي من النقب وتنظيفه من بقايا العرب والقيام بجولات إستطلاعية يومية وصادف أنه في إحدى هذه الجولات أن وجدت الفتاة.
القسم الثاني تقتفي باحثة فلسطينية والتي في هذا الجزء هي نفسها الراويةأثر الحادثة بعد حوالي خمسة عقود تقريبا وتحاول النبش في الماضي لمعرفة أكثر تفاصيل عن واقعة الإغتصاب بعد أن قرأت عنها في صحيفة إسرائيليةوذلك بدافع بسيط وغريب وخاصة بسبب تفصيل ثانوي ألا وهو أن يوم مولدها صادف أن كان بعد ربع قرن من الحادثة.
قسمين منفصلين لكن الرابط بينهما قوي كقوة محتوى الرواية وكان الزمن هو الرابط الأمتن.
عنوان الرواية يعكس السرد فيها.تفصيل ثانوي هو مجموعة تفاصيل،مختلفة وجدت بالجزئين في الرواية وجعلهما جزءا لا يتجزأ.
الرموز،الثنائيات،الأوصاف،إنعدام الأسامي كلها تفاصيل ولكن جوهرية.
✍🏻الرمزية:-الإغتصاب هو إغتصاب المحتل وإنتهاكه للأراضي التي لا يملكها بكل وحشية.
-النتونة العالقة بالجندي:هي الفعل البشع للمحتل الذي يرافقه ويصمه طوال الوقت.
-القرح بفخذ الجندي والذي صار يكبر ويتعفن ويفرز قيحا أصفر يرمز لتمادي المحتل في جرائمه
وتوسعه.
-النظافة ومحاولة الجندي تنظيف نفسه ببن الحين والآخر هو محاولة المحتل تنظيف نفسه وتبرئة نفسه من المآسي التي يسببها للشعب الفلسطيني ،لكن إستحالة في إزالته.
-عواء الكلب المستمر في الجزئين والشاهد على كل شيء يرمز إلى عدة أشياء و بدى لي أكثرها هي الخيانة والقذارة دون ردة فعل سوى النباح دون جدوى.
-رائحة البنزين:وهذه صورة ذكية جدا فالبنزين يرمز للتطهير أو التطهير العرقي.
-الصمت:الفتاة المغتصبة أسكتت العديد من المرات حتى في نحيبها وهو القهر والإسكات للشعب المضتهد.
✍🏻الثنائيات:عديدة ومتكررة وكانت متجسمة غالبا في التقلبات الطبيعيةوالمناخ
وهذه الثنائيات أيضا جاءت على شكل تفاصيل،عملت كدلالة على تجانس الطبيعة مع الأحداث والواقع القبيح.
أيضا وجود الخريطة الفلسطينية ومن جهة أخرى تغيرها مع الخريطة الجديدة الإسرائيلية.
✍🏻تفصيل آخر هو غياب الأسامي في الرواية وهذا أحد أهم التفاصيل فغياب الأسامي يعني أن الرواية صالحة لكل زمان ومكان وأن الشخوص تتغير من مكان إلى آخر لكن المعاناة هي نفسها.فالح.رب والإحتلا.ل والظلم والإغتصاب يمكن أن يكون أي شخص أو دولة عرضة له وهذا يعني أن القضية الفلسطينية ليست قضية شعب فقط بل قضية عالمية وإنسانية♥️
✍🏻هناك أثار الذاكرة والتاريخ والصدمة والبحث عن الحقيقة والنبش في الماضي المطمور والذي مر عبر أجيال،تمثل في إقتفاء الباحثة الفلسطينية.
رواية رغم قصرها ثرية جدا جدا بتفاصيلها.
فالروائية تخرج من نقطة المركز وتبتعد وتنظر من الزاوية ومن الطرف معك،ترافقك كقارئ،كأنها تضعك في الواجهة دون أن توجهك بأفكارها إلى درجة شعورك بالبرودة.تضعك كقارئ في موقف حكم وتوجه لك السؤال،ما رأيك في التفاصيل؟
من نقاط القوة في الرواية،إنعدام صوتها كروائية في قضية تمثلها،كان صوتها التفاصيل مرة أخرى.
تشعرك ببرودة عبثية وسخرية واقعية،وجدت نفسي لا إراديا أقارن سردها بسرد كامو في روايته الغريب أوما كان يعيشه بطله مورسو من أزمة وجودية.وصف التفاصيل وتكرارها العديد من المرات كحرارة الشمس والعرق خاصة والذي كان موجودا في كلتا الروايتين.
ويبدو أن هذه العبثية وهذه البرودة كانت لمعالجة القضية الفلسطينية،عالجتها بذكاء بعيدا عن العاطفة والحساسية،عالجتها ككونها قضية إنسانية مستمرة،قضية وجودية تعني كل الأطراف.
القضية الفلسطينية قضية الجميع.
تشعر أنها ذكرت كل شيء ولخصته في رواية قصيرة دون أن تذكر شيء.
نفس الأحداث تتكرر،نفس المشاهد تولد من جديد،نفس التفاصيل الثانوية تعاد وتعاد،نشهدها،نشاهدها ونكون شهودا لها.
تفصيل ثانوي يمكن أن يكون كل شيء إلا نعته بتفصيل ثانوي بل هو التفصيل الجوهري و الرئيسي والأهم.
التاريخ يعيد التفاصيل،التاريخ يعيد نفسه.
التاريخ يعيد نفسه منذ1948 بتفاصيله.
رواية بارعة سردا وأسلوبا وتفاصيلا❤️
"ليس المدفع الذي سينتصر إنما الإنسان"
.
كتبت في الرواية بالعبرية،فالمعتدي والمغتصب والمحتل أصبح الضحيةوالمعتدى عليه والمغتصب هو الجاني. رسالة مشفرة فيها عبثية وسخرية ولو كتبت بالعربية لكانت أصح وهذا ما بلغته عدنية شبلي.