ذبابة بشرية
و ما مفهوم التسميات في عالم الروايات ؟ لماذا لابد و حتمًا أن نأكل حق رواية و نختزلها في تصنيف واحد؟ و ما التصنيف أمام الحواس المختلفة لبشر مختلفين ؟
هذا الخليط المتجانس الذي يجعل الأسئلة تدوي في رأسك من شدة غموضه قادر علي ضم عناصره و الإعتزاز بها جميعًا، الرواية التي "تصنيفها" العريض جريمة أو بوليسية ليس لها مبرر لتقف عاجزة عن وصف شاعري أو خلق معني إنساني ، أقبل التسمية العريضة لكني لن أغفل عن لم شمل ضِفاف "الحدوتة" و تطويعها في إطار ملائم.
من جريمة قتل في حيز ضيق و مكان معالمه حُفرت في خيال القارئ لشفقة منبثقة من جُملة عابرة لذبابة بشرية من وسط ذباب كثير ربما تحاكي القارئ نفسه، الإهتمام بسرد خلفيات الشخصيات و صنع تاريخهم البشري الموازي للتاريخ السياسي و الإجتماعي المُحيط بالحكاية أعطي لها بُعد مصقول بحكمة ضمير إنساني هائم مع الندبات الطارئة ، جو عام يُشدد علي حتمية وقوعك في أحداث دولة إسكندنافية غائمة و كئيبة لها رائحة الشمس المكسورة.
سلم البناية موقع الجريمة الذي صعدته مرات بطول الصفحات أبحث في السر عن أزيز باكي لذبابة صهدها الذنب شاهد علي إجادة في خلق صِلة بين القارئ و المكان، كرسي "باتريشيا" المتحرك و ضحكاتها الغير مفهومة تجليها أمامي بنظرة عشوائية ذكية ناتج تأثر بـبيان رسم الشخصيات بما يخدم النص دون الإطناب و تناسي الهدف الأصلي .. توازن يشحذ الأنفاس للإستمرارية .
خلفية المؤلف التاريخية التي بلورها في تتبع أحداث سياسية كبري بحياد كانت عنصر جذب . نوع عربية أو إسم شارع .. تفاصيل متقنة ببديهية دون تعجرف أو تنظير في السرد.
أعتقد أن الثقة التي بُنيت بيني و بين الشخصيات هي الدافع الوحيد لإستكمال الرواية حتي بعد معرفة هاوية القاتل،صِلة أُلفة جعلت الفراق ينتظر لنقطة نهاية إجبارية و هو نفس السبب الذي سيجعلني أقرأ جزء ثاني إذا وُجد.
❞ يتمتع مفتش المباحث «كولبيورن كريستيانسين» بالعديد من الخصال الجيدة بلا شك، لكني لست متأكدة إن كان الذكاء أحدها حتى الآن. ❝
من ذكاء الكاتب الشديد أن ينهي الرواية بهذه الكلمات، و هو لسان حال القارئ الذي تعمق بطبيعة الحال ضروري و حِنكة منه و تأكيد مبطن علي معرفته و ثقته فيما كتب، إذا وضع أي جملة في النهاية غيرها كانت أخذت من رصيد الرواية لدي الكثير .
"عجوز أسير في دوائر مرهقة تقودني إلي قبر مهمل"
بطل مقاومة،سياسي،حركت حجر من أحجار الأحداث الكبري في العالم في النهاية أي ان كان وقعك في الدنيا هي حياة لها شكيمة تحولك رويدًا لـذبـابـة لها حواس البشر الهالكين … ذبابة بشرية .