من المتعارف عليه أن الذباب يحوم فوق كل شئ مكشوف، لا غلاف يحميه، كل ما هو مهمل يجذبه ويلفت انتباهه، يجعله يلتصق به، يمتصه حد الثمالة، ولا يتركه إلا بانتهاء مهمته القذرة، وهناك نوع آخر من الذباب، بشري، مختلف عن نظيره الذي ينتمي إلى فئة الحشرات، ذباب لا ينجذب إلى القمامة، ولكن هوايته الأساسية تتمثل في الجراح المفتوحة، القضايا اللامغلقة، الأمور غير المنتهية، تلك التي اندلعت منذ سنوات وسنوات، ولكنها لا تسقط بالتقادم، بل تدفع الذباب البشري إلى حمل بذرة الانتقام بداخله، حتى لحظة الحسم، التي لن تكون سهلة بالتأكيد، وربما يكون الثمن هو الحياة.
نحن هنا أمام مفتش مبتدئ، لا يحمل من الذكاء إلا القشور، ولا يمتلك الخبرة الكافية التي تجعله يحل لغزًا معقدًا، قد يبدو بسيطًا في البداية، ولكن مع مرور الأحداث، تتشابك الخيوط وتتعقد، لتصبح كتلة واحدة، لا يمكن فكها، إلا بمساعدة سحرية من صديقة مقعدة، عوضت إعاقتها بعقل يفوق الخيال.
تُكتشف في أوسلو عام 1968، جثة رجل يُدعى "هارالد أوليسين" الذي كان بطلًا شعبيًا أثناء الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، ورغم كون صورته الخارجية تبدو مميزة نظرًا لما قدمه من أفعال جيدة إبان شبابه، إلا أن ما خفي كان أعظم، وربما ما خفي كان السبب وراء إشعال فتيل الانتقام، من يعلم!
تقع الجريمة في بناية سكنية هادئة، ورغم أنه للوهلة الأولى يبدو السكان وكأن لا علاقة لهم بجريمة مقتل جارهم، وكأن لا ناقة لهم ولا جمل في تلك القضية، ولكن الأكاذيب التي تتوالى على ألسنتهم تجعل من كل شخص فيهم، مشتبه به محتمل، وكلما كثرت الأكاذيب والأقاويل المتضاربة، كلما ازدادت دائرة الشك لتشمل الجميع، بلا استثناء، تتسع وتتسع إلى حد لا يمكن السيطرة عليه.
ورغم أن التعقيد هو السمة الأساسية لتلك القضية، إلا أن المؤلف لم يرد الاكتفاء بذلك، بل زاد الطين بلة بمذكرات تضم في طياتها حروف أولى مبهمة، لأسماء، تثير الريبة والشك حول علاقتها بجريمة القتل، ولكن من هؤلاء؟ وكيف يمكن الاستدلال عليهم من مجرد حروف، لا معنى لها؟
هل يمكن لحادث وقع قبل 20 سنة أن يترك بصمته على الحاضر؟ وهل تلعب الصدفة دورًا أم أن كل شئ مدبر حد الموت؟
الإجابة في الصفحات الأخيرة، فلا ترهق نفسك عزيزي القارئ، فكل شئ له أوان، حتى لو مضت عقود، فقط اجعل من نفسك ذبابة بشرية تحوم حول صفحات الرواية حتى النهاية.