الأفق الأعلى > مراجعات رواية الأفق الأعلى > مراجعة Shehab El-Din Nasr

الأفق الأعلى - فاطمة عبد الحميد
تحميل الكتاب

الأفق الأعلى

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

في بداية الأمر، لم أحب الرواية كثيراً، حتى حملتني بعذوبة سردها، وبمشاعرها البشرية الواضحة، المتخللة والمتداخلة بمشاعر الموت الخالدة، على لسان ملك الفناء، ومع تزامن الأحداث وتعاقبها، وتداخل الأبطال والشخصيات رغم صغر صفحات الرواية، أصبحت من أكبر وأكثر المعجبين بالرواية بلا شك.

رائعة فاطمة عبدالحميد، حتى وأنا متحفز للرواية لأجد فيها بعض الأخطاء لأبرر عدم حبي الأول ليها، لم أجد.

حتى وأنا أبحث كالكهل بين صحفاتها معترضاً ناقداً غير راضياً بأي شيء، لم أجد إلا القليل، سحقتني الرواية، وأهلكت قلبي بموتها، وجعلتني أقرب خطوة إلى الموت من الحياة.

<u>

❞ لكنْ مَهْما يُطُلْ وقتُكَ، ومهما تَطُلْ أغصانُكَ، ومهما يمتدّ ظلُّكَ… ها إنّي أقُول لكَ في لهجةٍ مليئةٍ بالاعتذارِ: ستجدُنِي يومًا مّا أنتظرُكَ أمامَ البابِ الخلفيِّ، لأعيدَكَ إلى باطن الأرضِ ❝

</u>

على مدار عشرة أيام منهم ثمانية أيام عمل في طرقات الرواية مودع أكثر من 15 حالة، ويومين مرض، حملتني فاطمة عبد الحميد بقلمها برحلة إلى الموت أقرب مما أعيشه في الواقع، وهنا تكمن عبقريتها، وهنا تكمن الرواية، وهنا أدركت مدى جودة ما اقرأه حقاً.

<u>

❞ وكلّما أرهقتها الذّاكرةُ، اتّكأتْ على جذعِ شجرةٍ متينٍ، فلا تفكّرُ إلّا في جذورِها الّتي ترحلُ عميقًا في باطنِ الأرضِ، حيثُ يسكنُ حبيبُها… فهي أيضًا ستمدُّ جذورَها تحتَ التّرابِ، باحثةً عنْ سببٍ يبقيها على قيدِ الحياة. ❝

</u>

يتركنا الموت لذكريات تأكلنا أحياء، جميعنا نعرف دود باطن الارض الذي يجعلنا رفاتا، فماذا عن دود السطح الذي يتركنا خواءً؟ يتركنا فارغين منهكين مجوفين القلب. أهي الذكريات سلاح الموت الفاني في أرضنا؟ فالحزن مكروهاً بيننا عن الموت، والموت يهاجمنا ويباغتنا كلما اشتاق إلينا بالذكريات، يذكرنا إنه هنا.

<u>

❞ لا أستطيعُ إقناع الحزن، صاحبِ الموهبةِ الفطريّةِ في تمزيقِ القلوبِ، بأنّهُ مرفوضٌ أكثرَ منّي بين بني البشر. فقد أكونُ أنا مَطلوبًا في أوساطِ المنتحرينَ واليائسينَ، وأصحابِ الأمراضِ المزمنةِ، أمّا الحزنُ… فمَنْ ذا الّذي يتمنّاهُ أو يحتاجُ إليه؟ ❝

</u>

لا يحتاج الموت لنرى حادث أو ندخل طرقات المستشفيات ، يكفي أن يحمل ذاكرتك إلى الماضي قليلاً، أو بعيداً، تذهب لجد راحل، أو صديق فنى، أو شهيد مقتول، يكفي أن تذهب إلى التلفاز لترى أفلام لرجال أصبحوا رماداً وتراباً حتى عظامهم قد لا نعرفها الأن،

الموت والماضي صورتان ووجهان لعملة واحدة، كلاهما يتمم الأخر، الموت يملك سلاحه القوي وهي الذكرى، حتى تفنى الذكرى ونصبح نحن من الذكريات، فاللهم أرحمنا حين تحين ذكرانا.

<u>

"❞ - الآخرونَ يذْهبُونَ، ونحنُ نُعاني.

ثمّ ابتسمتْ بسكينةٍ:

- لا أعرفُ كيف مازلتُ أنجُو منْ كلِّ هذا يا جار؟ ❝"

</u>

ودعوني أعترف لكم بكل ما أحمل من شجن، أنا أكره الذكرى وأعشق النسيان، أنا لا أحب أن اذكر حتى لو كانوا أحبابي هم الراحلون، ليتني أنسى كل ما رحل، وتركت خلفي بقاع الآفلين والهالكين، وأصبحب عالقاً دائما مع الحاضرين، أنا أكره أن استذكر وليتني لا أذكر، فالفناء خير وسيلة للنسيان، فليتنى ننفى ونحن لا نذكر شيئاً.

اترككم مع الأقتباس الأخير والأقرب لقلبي من الرواية، وإن كان أصبح واحد من أقرب الاقتباسات لقلبي في العموم:

<u>

{{ يخيفُنِي مَصِيركُم، ومصِيري مِنْ بعدِكم، يُرعِبُني أنْ أبقى وحيدًا بعد آخرِكم، حينَ تكونُ إنجازاتي كلُّها مجّردَ شواهِدَ قبورٍ خلْفِي، شواهِدَ بأسماء أو دونَ أسماء، ذلكَ لا يُهمُّ، فبِعِلمِهِ الّذي وسعَ السّماواتِ والأرضَ، سيعرِفُكم واحِدًا واحِدًا. حتّى أنا سأقفُ أمامَهُ، في صمْتٍ تأمُّليٍّ عمِيقٍ، فوقَ ربوةٍ لكَوْنٍ فَنِيَ كلُّ مَنْ عليْه. لكنّ الأبديّةَ لهُ ولكم، فأنتُم منْ روحِهِ، أمّا أنا، الّذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مِنّي بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكونُ عليّ الرّحيلُ وحيدًا، عندها ستتجمّعُ كلُّ آلامِكم، وكلُّ احتضاراتِكم، وكلُّ صرخاتِكم في حنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مُدوّيةً توقظُ الكونَ مِنْ جدِيد، عندئذٍ، ستنهضونَ مِنْ موتِكم، وسأكونُ أنا الفاني الوحِيد. }}

</u>

تمت. 4 أغسطس - 2024

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق