وكان الألم في الأيام الأولى للفراق كالمجنون في هذيانه ووسوسته ، ولو طال به الأمد على ذلك لقضي عليه.
ولكنه نجا من تلك المرحلة الخطيرة بفضل اليأس الذي وطّن النفس عليه من قديم، فانسرب الألم إلى مستقر له في الأعماق يؤدي وظيفته من غير أن يعطل سائر الوظائف الحيوية كأنه عضو أصيل في الجسم أو قوة جوهرية في الروح، أو أنه كان مرضا حادا هائجا ثم أزمن فزايلته الأعراض العنيفة واستقر، غير أنه لم يتعز -وكيف يتعزى عن الحب، وهو أجلّ ما كاشفته الحياة ؟
ولكنه كان يؤمن إيمانا عميقا بخلود الحب، فكان عليه أن يصبر كما ينبغي لإنسان مقدور عليه بأن يصاحب داء إلى آخر العمر.