انفك نظام الجيش الفارسي، كنت أرى المخاليق تحاول الجري نحو النِّياق والخيول والبغال، انتزعت الهوادج من فوق أسنمة الجِمَال، وطارت في الهواء مثل عُلب الصَّفيح، لتخبط النَّاس وهي تسقط، كان هناك من يحاول التَّشبث خلف هذه الهوادج، وأخرج الكثير منهم سيوفهم، وغرسوها في الرِّمال، وحاولوا التَّعلق بها، غرسوا الرِّماح أيضا.
أمسكت بجسد «جاله»، احتضنتها، واحتضنتني، كانت تبرطم في هلع، صوتها خافت مستغيث، كان كل منا يحاول التشبُّث بالآخر، ركلتنا الأقدام الفزعة، لكن دحرجتنا الرِّيح، ليبدأ بعدها أسوأ ما في الأمر، بدايات الدَّفن.
رمال خفيفة، مقذوفة، تضرب الجلد مثل رؤوس حراب من نار، وتملأ العيون باللهب، «الغرد» يُخضع المخاليق بهذه الرِّمال السَّفيفة، يُعجزها عن الحركة لمَّا يضطرها إلى غلق العيون، فتستسلم راغمة إلى السُّكون، والسُّكون في «الغرد» يعني الموت، ولا شيء آخر.
بهت ضوء القمر النَّاصع، وصرنا كأننا في سحابة شاحبة أيضا من دخان، ولم أعد أرى سوى قباب ظهور الحيوانات، وأكوام من النَّاس ملقاة حولها من غير حركة، وصياح الرِّجال المرتعب يختلط بعويل النِّساء، لتطيِّر العاصفة هذا المزيج من الأصوات البائسة إلى البعيد.
والتصقت بـ«جاله» أكثر وأكثر، كانت بوَّابات الرِّمال قد انفتحت في السَّماء، فبدأت تنصبُّ صبًّا، لتستسلم كل الأجساد تماما للرَّدم، سمعت حشرجات «جاله» تخرق أذنَي، كنت أواجه الموت أيضا، وما كان بمقدوري فعل شيء غير التمني على اللّه في علاه أن ينهي كل شيء بسرعة، ومن غير عذاب طويل.
وفعلا، أظلمت الدنيا فجأة، ولم أشعر بأي شيء.
منافي الرب > اقتباسات من رواية منافي الرب > اقتباس
مشاركة من المغربية
، من كتاب