ها أنا ذا أشهد منظرًا من أكثر المناظر مأساوية. عمال يقلبون الأنقاض أملاً في أن يعثروا على جسم امرأة أو طفلة على قيد الحياة، مع أن كمية الأنقاض المنهارة تكفي بثقلها وحده أن تقضى على أى شيء حي، ولكن وجوه العمال ونوع الكلام الذي يتبادلونه أثناء عملهم لايختلف عما يمكن أن يكون أو أن يتفوهوا به لو كانت المهمة الموكولة إليهم عادية تمامًا ولا تنطوى على أي مأساة كبناء عمارة جديدة فعلا، والأب جالس أو واقف فى ردهة الفندق ولكنه متماسك لا يمكن أن يخمن أحد إذا رآه سبب مجيئه إلى هذا المكان، وهو قادر على تبادل الحديث معي أو مع غيري، أي أن ينصرف بذهنه عن التفكير فيما يجري أمام عينيه وما يتوقع أن يسفر عنه البحث وسط الأنقاض.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التى ألاحظ فيها شيئا كهذا، ولكن المفارقة هنا بدت لى أكبر منها في أي مرة سابقة: المفارقة بين حادث الموت وطريقة تلقي الناس له، حتى ولو كانوا من أقرب المقربين إلى الشخص المفقود. للخبر وقع شديد في البداية ولكن ما أسرع ما يألف الذهن الخبر ويتعايش معه. لقد ظللت فترة طويلة لا أستطيع خلالها أن أتصور كيف يمكن أن تعيش أي أم أو أب عند فقد الابن أو البنت، أو كيف يستمر العاشق الولهان في الحياة بعد فقد حبيبته.. إلخ. ولكني صادفت بعد ذلك -المرة تلو المرة- مابين لي خطئي إذ وجدت قدرة الإنسان على التأقلم مع أشد الأحداث إيلامًا أكبر كثيرًا مما كنت أتصور.
ومع مرور بضعة أيام على هذا الحادث، تأكد لي هذا أكثر فأكثر، وكانت النتيجة مزيجًا من الارتياح والفزع في نفس الوقت. الارتياح لأن الألم أقل بكثير مما كنت أتوقع، والفزع من حجم القسوة التى تبين لي أنها كامنة في الجميع بدرجة أكبر بكثير مما كنت أظن.
مشاركة من المغربية
، من كتاب