لم تكن تلك رؤية شيخ البحر المنسوخة فوق عينيك، غادرك البياض وعادت إليك رؤيتك محتشدة بالدلالات والتنبيهات، أشد حتى من رؤيتك العادية التي كنت تجاهد لاستعادتها. جاهدت لتطفو فوق بحر البياض هذا الذي غرقت فيه فإذا بك تشهق ناجيًا فترى ـ رؤية واثقة رغم أنها كالحلم ـ متجاوزًا كتلة اللحم والعظم وغلاف الجلد، لترى ـ خلف ذلك البلور الذي يسمى وجهًا ـ روحًا حبيسةً مثل رعّاش ماءٍ ضعيف، يتشمم هواء الحريّة خلف فخِ من زجاج. أهذا هو الحب من النظرة الأولى أم أنه فعل الغربة في الوجوه؟ بنظرةٍ واحدةٍ قلت في نفسك هامسًا: تلك نضيرتك الخاصة، لا الأخرى، هذه لم يطعمها أبوها كما تمنيّت الشهد والمخ وغذاء الملكات لترى من خلالها كبلور ، ولكنك ترى من خلالها بالفعل كبلور، ترى كل كدمات روحها، تتجاوز بصيرتك المفاجئة تلك جدران الغرفة المحيطة بكما فترى (ليس الطوب والأسمنت وقطع القماش الرثة التي غطوا بها شروخ الحائط ...) ترى الأب أيضًا الذي لم يكن مريضًا في غرفته كما أخبروك، بل رافضًا . رافضًا بعنفٍ مجيئك ووجودك رغم تكالب أكبر أبنائه الذكور عليه ...
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب