يجب ألّا نحكم على نسق فكري أو اجتماعي ما إلّا بعد توصيفه وتصنيفه، ثم ننصرف بعد ذلك لإطلاق الأحكام القيمية. وحينما نفعل ذلك يجب أن نكونَ واعين بما نفعل وبأن التقييم يختلف عن الوصف. كما يجب أن نكون مدركين للمنظومة القيمية التي ننطلق منها والفلسفة التي نصدر عنها، وأن نعرف أن الحكم القيمي هو في نهاية الأمر حكم يحوي داخله شرعيته، فإن كنت تحكم على الظاهرة من منظور إسلامي فأنت تفعل ذلك لأنك مؤمن بالإسلام، وبالتالي فمنطق الحكم (الذاتي) مختلف عن منطق الأشياء (الموضوعي). ولعل هذا الموقف يُمكِننا نحن المسلمين من أن ننفتح على العالم دون أن نفقد هويتنا وقيمنا، إذ يمكنني، في هذه الحالة، أن أقوم بقراءة عمل أدبي ما فأصفه وأحلله وأبين بنيته والصور المجازية المتواترة فيه ومعناه وارتباط شكله بمضمونه، بل ويمكنني أن أبين مواطن الجمال فيه كعمل أدبي وأربطه بالتقاليد الأدبية التي يصدر عنها -أي أن أقوم بعملي كناقد أدبي، ثم بعد أن أنتهي من المرحلة الأولى هذه انتقل إلى المرحلة التقييمية التي أتحدث فيها كمسلم وأرفض القيم التي وردت في العمل الذي قمت بتحليله وتوصيفه وتقييمه كناقد أدبي - أرفضه كمسلم لأنه ربما يجسد قيماً أخلاقية لا تتفق مع قيمي الدينية، وبهذا لن يضطر المسلم إلى رفض دراسة عمل ما أو ظاهرة ما لأنها منافية للدين والأخلاق، وإنما سيدرسها بموضوعية اجتهادية ثم يقيّمها من منظوره. وقد يقال إن في هذا تناقضاً مع الذات، ولكنني أرد قائلاً إن في هذا تقبلاً لحقيقة أساسية وهي أن الواقع الإنساني مركب يحتوي على بنىً متداخلة غير مترابطة. وحيث إنه لا توجد علاقة حتمية بين الجمال والخير والقبح والشر، فعلينا أن نتقبل تعدد البنيات فنصف ثم نقيَّم.
مشاركة من Rwa
، من كتاب