وحينما نقول صورة مجازية فنحن لا نعني شيئاً هبط علينا من القمر، وإنما نتحدث عن وسيلة لإدراك ما لا يمكن إدراكه بشكل مباشر نظراً لتركيبيته. وكما نعلم يصف القرآن الكريم الله سبحانه وتعالى بأنه «ليس كمثله شيء» أي أنه لا يوجد لغة يمكنها أن تساعدنا على إدراك كنه الله عز وجل. ولكن مع هذا ينقل القرآن الكريم مفهوم الله إلى عقل الإنسان القاصر عن طريق صورة مجازية مركبة، «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح». ويا لها من صورة مجازية متواضعة، ولكنها تعكس لعقل الإنسان القاصر فكرة اللا متناهي. ثم ينطلق القرآن من هذه الصورة المجازيَّة فيكثفها «المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنَّها كوكب دريّ». وهكذا خرجنا من الصورة المجازية المتواضعة المستقرة في عالم الحدود إلى صورة مجازية أخرى تكاد تكون لا متناهية، فعقل الإنسان حينما ينظر إلى الكوكب الدرّي، فإنه يشعر بالرهبة -ولكن الرهبة هنا لا تزال رهبة أمام المخلوق، ولكنها مع هذا تصلح كصورة مجازية على الرهبة التي يمارسها الإنسان أمام الخالق- صورة مجازية وحسب إذ يظل الله وحده هو اللا متناهي. ثم بعد الإشارة إلى اللانهائي والإيحاء به نعود مرة أخرى لعالم المألوف «يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية». لا زلنا في عالم النور الإلهي، ولكننا انتقلنا من المشكاة التي فيها المصباح إلى الكوكب ثم نعود إلى وقود المصباح؛ إلى تلك الشجرة المباركة التي أُخذ منها الزيت، ثم نصل إلى الزيت نفسه «يكاد زيتها يضيء ولو لم يمسسه نار». وهكذا تزداد الصورة المجازية كثافة بإضافة الأبعاد لها، ويزداد تشتُّت مركزها مما يبعدها عن أي تجسيد أو تشبيه. ولا يمكن أن ندّعي أننا ندرك الذات الإلهية إدراكاً كاملاً في نهاية الآية، فهو عز وجلّ ليس كمثله شيء، وإن كنا قد اقتربنا منه في إدراكنا بعض الشيء.
مشاركة من Rwa
، من كتاب