🕯️❞ كنت أسير في دغل متشابك لا نهاية له، أتحسس طريقي بين الحشائش والأشجار، وقد أدمَت الأشواك قدميَّ، كانت الليلة الأولى الأكثر رعبًا في حياتي، وقد كنت أظن أن الرعب كله يسكن ذلك البيت المهجور على أطراف وادي الطليمات قرب قريتنا، شعرت بالموت يحدق بي من بين الآجام الكثيفة، أصوات غريبة لا أعلم إن كانت لمخلوقات من طين مثلنا أم إني قد وطئت مملكة جن لا يطيقون وجودي، لم أنم حتى بدأ النهار في فرش بساط ضيائه على البراري الطيور تغرد وتنادي بعضها بعضًا لعلها تسأل عني أنا الغريب، ناجٍ يَئِس وحيد، ولعلها كانت تحكي فيما بينها وتنسج أسطورة ما عني.
القردة تتقافز فوق قمم الأشجار تخشى النزول إلى أرضي التي أخوضها فاتحًا باحثًا عن ملجأ للحياة والأمل، وجدت بركة ماء فارتويت حتى اكتفيت وحملت قدرًا منها في قربتي الصغيرة، مضيت بين الجذوع على غير هدى وأنا أشعر أني أدور في مكاني، الأشجار باسقة متشابهة وأشق طريقي محاربًا بسيفي أعداء من أغصان جافة متشابكة كآلاف الأيادي تريد تطويقي ، والظفر بي.
في الليلة الثانية تسلقت شجرة انحنى جذعها فوق مستنقع يضج بنقيق الضفادع وصفير صراصير الحقل فحيح أفاعٍ لم أرها ولكني شعرت بقربها، نمت فوق جذع شجرة مستأنس بالضجيج ولم يوقظْني إلا شعاع شمس انسلَّ من بين أغصان الشجرة العظيمة التي أوتني، الحرارة شديدة .
وكنت أسير كمن سار ألف عام دون توقف، حتى جلست للراحة على صخرة ملساء تطل على منحدر انبثقت منها جذوع شجيرات متسلقة كأنهن يحاولن الصعود إلى حيث أجلس الصمت يَملك المكان وقبيلة من نمل تصارع خنفساء، عملاقة ولكنهم يصعدون على ظهرها ويتشبثون بأرجلها، تقاوم ويحاربون، لا تستسلم ولا يكلُّون، يتكالبون عليها، تتعثر في ورقة شجر جافة فتنقلب على ويتشبثون بأرجلها، تقاوم ويحاربون، لا تستسلم ولا يكلُّون، يتكالبون عليها، تتعثر في ورقة شجر جافة فتنقلب على ظهرها. لعلَّ تلك الزمرة على بطنها يرقصون فرحًا بالنصر، وكذلك يفعل البرتغاليون الآن في حصنهم.
ترى كيف سيكون وقع الأمر حين تصل أنباء هزيمتنا إلى جدة حيث يقبع أخي صالح؟؟ هل علم أيوب والسلطان الغوري وأهل مصر بأمر غرق المنصورة وأسطولنا العظيم.
مر ما يزيد عن ثلاثة أعوام حين رحلت عن بر مصر المحروسة على متن الأسطول الذاهب من السويس لتحصين ميناء جدة. أيتذكرني أحد أم ظنوا أني مت.. أأنا حي حقًّا أم إني مازلت أتجول في البرزخ حتى يأتي يوم البعث. ❝
مشاركة من Reham Mansy
، من كتاب