ولمّا كان عليهم إصلاحُ المركب ممّا أصابه من ضرر، ولمّا كان لازماً توزيعُ حمولته التي لم يحسن حمّالو «فيراكروث» توزيعها، فقد هداهم تفكيرهم إلى الرسوّ في بلدة «ريغلا»، بعيداً عن أجواء العاصمة الموبوءة. كان منظرُ تلك البلدة البائس، تلك القرية المحفوفة بمنابت أشجار القرّام، يضخّم في الذاكرة صورة المدينة التي خلّفوها وراءهم، المدينة التي تشبه أورشليمَ رائعة متنوّعة المناظر والمشاهد، بقبابها البرّاقة وكنائسها العظيمة وقصورها المنيفة، وبما تبديه من واجهات منقوشة ومذابح مزيّنة، وبما تحتويه بيوتُ قرابينها من تحفٍ، ويعكسُه زجاجُ نوافذها من ألوان. أمّا هنا، فالشوارعُ ضيّقةٌ والمنازلُ خفيضة؛ شبابيكُ تقبعُ وراء قضبان لم يحسنوا صنعها ولا طلاءها، وأسطح ما كان لها أن تصلح في «كويواكان» إلا سقوفاً لقنّ دجاج أو حظيرة خنازير. كلّ شيء هناك جامدٌ متحجّرٌ، يصطلي بحرارة فرنٍ تنبعث منه رائحةُ وحلٍ تمرّغت فيه الخنازير، ونتانةُ زرائبَ وفضلاتٍ يزيد وجودُها الحنينَ إلى أجواء المكسيك الشفّافة الرائقة، حيث البراكينُ الدانية التي تقرّبُ قممَ الجبال، حتّى ليحسبُ الناظر إلى بياضها الناصع من خلال زرقة زجاج نافذة واسعة عريضة، أنّها على مبعدة نصف ساعة مشياً.
كونشرتو باروكي > اقتباسات من رواية كونشرتو باروكي > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب