ثمّة كتب نمرّ عليها بسرور مرور الكرام، ناسين صفحةً بمجرّد قلبها إلى صفحةٍ أخرى، وكتبٌ أخرى نقرأها باحترام دون أن تكون لنا شجاعة أن نوافق أو لا نوافق، وغيرها تقدّم لنا محض معلومات وتمنعنا عن التعليق، وثمّة كتب تبقى، لأنّنا أحببناها لوقتٍ طويل وبكثير من الودّ، نستطيع ترديدها كلمةً كلمة، بما أنّنا نعرفها – بالمعنى الصحيح للعبارة – عن ظهر قلب.
القراءة حوار. يدخل المجانين في حوارات تخيّليّة يسمعونها تتردّد في أماكن ما من عقولهم. ويدخل القرّاء في حوار مماثل تحرّضه بصمت الكلمات المطبوعة على صفحة. لا تُسَجّل عادةً ردود القرّاء، بيد أنّ أحدهم يمكن أن يشعر مراراً بالحاجة إلى تناول قلم رصاص وكتابة إجابةٍ على هامش النصّ. هذا التعليق، هذه اللمعة، هذا الظلّ الذي يرافق في بعض الأحيان كتبنا المفضّلة، يوسّع وينقل النص إلى زمنٍ آخر وتجربةٍ أخرى، إنّه يعير الواقع إلى الخيال بأنّ كتاباً يتحدّث إلينا ويشتاقنا (نحن القرّاء) إلى وجوده.
قرّرت منذ عامين مضيا، وبعد عيد ميلادي الثالث والخمسين، إعادة قراءة بعض كتبي القديمة المفضّلة، ولقد صُدِمتُ، مرّةً أخرى، بكم تبدو عوالمها الماضية، المتعدّدة الطبقّات والمعقّدة، عاكسةً للشواش الموحش للعالم الذي كنتُ أعيش فيه.
يمكن لعبورٍ في رواية أن يُلمِع على نحوٍ مفاجئ مقالاً في الصحيفة اليومية، كما يمكن لمشهدٍ ما أن يُذكِّر بفصلٍ نصف منسيّ، وقد تحرّض كلمةٌ واحدة تفكيراً طويلاً. قرّرتُ أن أحتفظ بتسجيلٍ لهذه اللحظات.
يوميات القراءة > اقتباسات من كتاب يوميات القراءة > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب