بدأ بالتوهّم والخوف والشعور بالاختناق والغثيان واقتراب الموت؛ وسرعان ما نسي أسماء جميع أبطال الروايات السياسية التي كان قد قرأها. رغب في مقارنة نفسه بهم ليهدّئ من روعه؛ لم يتذكّر حتى الموسيقا التي كان يحبها ويعزف أغلبها بالصفير. ومنذ الساعات الأولى، اختلطت عليه ساعات الليل بالنهار؛ وفي اليوم الثالث، لم يستطع تذكّر في أيّ يومٍ هو من شهر بهمن. وفي اليوم السابع لم يستطع تذكّر في أيّ يومٍ من أيّ شهر ومن أي سنة أصلاً. كان يشعر أن الشعيرات الدموية في عينيه قد جفّت من كثرة التحديق بعينين جاحظتين إلى الظلام أمامه، وإلى الفراغ، وإلى عيني الموت. كان حلقه قد جفّ، وهذا ما تسبّب في سعاله بشكل متواصل؛ كان يلمس الحائط متتبّعاً أثر خدوش الأظافر أو شيء حادّ؛ ويحاول تخمين الأحرف المحفورة. وتمكّن ذات مرة من قراءة جملة بأكملها: «العالم الثالث هو المكان الذي نتشارك أنا وأنت فيه الألم ولكنّنا لا نكون معاً». فكّر كثيراً لكن لم يتذكّر لمن تعود هذه الجملة. كان عليه أن يسلّي نفسه وإلا فإنه سيصاب بالجنون، ففكّ حزامه كي يحفر قصيدة على الحائط بإبزيم الحزام، ولكنه سرعان ما نسي ما الذي يريد كتابته. من فرط الجوع وضع عدة قطع من الجص المتساقط في فمه، فشعر بلسانه الجاف يحترق، وراح يسعل أكثر. ومنذ اليوم السابع لم يعد لديه مقدرة على جرّ نفسه إلى الباب ليلصق أذنه عليه ويصغي إلى الأصوات البعيدة التي بدت في هذه الأيام الأخيرة وكأنها زمزمة أشخاص يخطّطون لقتله. كانت الأصوات الغامضة تخبر بعضها بعضاً كيف أنها ستأتي إليه في الظلام وتخنقه
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب