لا تحزم أمتعتك وتتوجه إلى أي مكان وأنت تحمل تصورات الآخرين عن المكان الذي تنوي الذهاب إليه، من الأفضل أن تذهب بلا تصورات من أن تذهب محملًا بنصائح وأفكار وانطباعات كونها صادرة عن أشخاص آخرين يختلفون عنك في كل شيء، فلا شيء يمكنه أن يقلب مزاج سفرك رأسًا على عقب من فكرة رسمها لك آخرون عن أمكنة معينة، فإذا بك تكتشف العكس تمامًا، ذلك ما قالته لي صديقتي حين قررت أن تذهب إلى فينيسيا أو البندقية كما نسميها في العربية.
قالت لي: لو أنني استمعت إلى ما قالته إحدى قريباتي عن المدينة العائمة لما ذهبت إلى هناك، لكنني تركتها تثرثر دون أن أعيرها اهتمامًا، لقد ذهبت إلى فينيسيا ووجدتها – من وجهة نظرها – مدينة كئيبة تفتقر إلى النظافة وتكاد رائحة المياه الآسنة تخنق كل من يتسكع في ممراتها المائية، لقد خيل إليّ – تقول صديقتي – أن قريبتي هذه كانت على وشك أن تنظم حملة نظافة للمدينة.
هناك من يحلم بزيارة مدينة البندقية أو فينيسيا، حتى إنني شاهدت فيلمًا يحكي عن سيدة كانت تحلم بزيارة هذه المدينة، وقد قررت أنها لو تحقق حلمها فإن أول ما ستفعله عند وصولها أن تنام على أرضية ساحة سان ماركو وتقبل الأرض شغفًا، تلك حكايات قد لا تروق للبعض منا، والحقيقة المؤكدة هي أن الناس لا يجمعون على حب مدينة أو الإعجاب بها بالقدر نفسه، فبينما يهيم بعضنا حبًّا بباريس لا يجد آخرون سببًا وجيهًا لزيارة مدينة ذهبوا إليها ولم يجذبهم فيها أي شيء حتى متحف اللوفر نفسه وقصر الإليزيه.
الأمكنة والمدن كالنساء لا يمكن الاتفاق حولها أبدًا، الأمر كله يمكن إرجاعه للذائقة وللطبيعة الشخصية ولطريقة حياة وخيارات كل شخص، كما يرجع لسؤال مهم جدًّا ربما يتوجب على كل منا أن يوجهه إلى نفسه وهو يحزم أمتعته مسافرًا إلى أي مدينة: ماذا نريد بالضبط من هذه المدينة؟ عمّ نبحث فيها هي تحديدًا دون غيرها من المدن؟ لا يمكن أن نحث الخطى ونستقل الطائرات سعيًا وراء مدينة وأمكنة لا نعرف ماذا نريد منها ابتداءً
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب