أدمنَ بعدَ ذلك التشبّث بأحذيةِ سجّانيه كلّما دخل إليه أحدهم بقطعةِ الخبزِ اليابسة. توسّلهم راجياً بكلّ العباراتِ التي أسعفته بها مخيّلته. أكّد استعداده تنفيذ كلّ ما يطلبونه. شرح لهم أنّه وحيدٌ ولن يكترثَ أحدٌ لأمره إن كانت الغاية هي الحصول على فدية. وباستثناء الركلات الحاقدة والشتائم، لم يحصل على كلمة من أحدهم. وحين استحلفَ أحدهم أن يقتلهُ فوجئ بضحكه الفاجر الشامت وهو يقول: ”سنجعلُ الموتَ حلمكَ الوحيد وسنعملُ جاهدين ألّا تبلغه يا ابن القحبة“.
أحسَّ بالاختناق وبانقباضِ عضلةِ قلبه كمن يهوي من ارتفاع شاهق بسرعة كبيرة نحو هوّة سحيقة. تحوّل الانتحارُ هاجساً وحيداً يتملّكه، وإذ عدِمَ وسيلةً تبلغه إيّاه وسط سواد يزدادُ قتامةً فكّر أن يبلغهُ بالرغبة. استعادَ قصص أناس قرأ أنّهم بلغوا الموتَ حين قرّروا أن لا معنى لبقائهم. أمضّه شعورٌ مريرٌ بالخذلان بعد ذلك، ليس لفشله بالأمر، بل لما يعنيه ذلك من رغبة دفينة تدفعه إلى التشبّث بحياة لطالبما جهَر بتخليه عنها.
قبعة بيتهوفن > اقتباسات من رواية قبعة بيتهوفن > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب