من الجميل أن تكون لديك نافذة تطل على حديقة قريبة، ومن الأجمل لو أن إحدى أشجار تلك الحديقة القريبة فروعها تلامس النافذة، حينها من الوارد أن تتكرر صدفة وقوف طائر صغير على ذلك الفرع القريب، تستطيع أن تلمسه بعينيك، سيقفز من الفرع ويستقر على إفريز النافذة غير ملتفت ولا مكترث لوجودك، وستظل تراقبه طويلًا من دون أن تصدر عنك أي حركة تفزعه وتدفعه للطيران المفاجئ، تلك هي القاعدة؛ كلما قللت من حركاتك واحتفظت فقط بدوام النظر والمراقبة ستستمر في الفرجة.
كان يحرك رأسه يمنة ويسرة في إعجاب شديد بنفسه، إعجاب وثقة قلقة أيضًا ستبددها أي حركة قادمة، كان له حضور كبير رغم صغر حجمه، فهو ابن الشجر والسماء، القادر على ملء أكبر مساحة ممكنة بالطيران، يستطيع أن يفرد جناحيه ويحلق في أي لحظة، لن يعوقه شيء. كان ذلك مُذهلًا، القدرة على الطيران في أي لحظة من دون سابق تمهيد، من دون تردد أو حجز تذكرة أو الانتظار بالساعات في الساحة على كراسٍ غير مريحة، من دون انتظار لموظف روتيني خلف «الكاونتر» ينظر لوجهك الحقيقي بتجهم، ثم ينظر لصورة وجهك في جواز السفر بتجهم أكبر، ثم يرفع يده في ضيق ويهوي على جوازك بختم كأنه لكمة تسمح لك بالمرور عبر ممر طويل يؤدي للطائرة، لتنتظر داخلها من يصف لك طرق النجاة من الموت عند الإقلاع، ثم تدور المحركات وتجري بك وبمن حولك الطائرة سريعًا على الممر قبل أن تنطلق إلى أعلى وأنت تتمتم بما تستطيع تذكره من آيات، كل ذلك سيختصره ذلك الطائر الصغير في فيمتو ثانية وسيطير، فقط سيفتح جناحيه ويطير
كان غافلًا تمامًا عن نظرتي وخيالي حتى إنه فتح منقاره مُصدرًا نغمتين متتابعتين، ويبدو أنني كنت محظوظًا بالفعل حينما استقر ذلك الطائر على نافذتي غافلًا عن وجودي، ولكني للأسف خالفت قواعد الفُرجة حينما سمعت تلك التغريدة البديعة التي صدرت عنه، فحركت رأسي في طرب هامسًا: «الله».
فطار فزعًا وصارت النافذة فراغًا بلا حياة ولا موسيقى.
أبناء حورة > اقتباسات من كتاب أبناء حورة > اقتباس
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب