" استهلاك الخصوصية "
قد يكون أسوأ ما في السجن أن عيوبنا ونواقصنا تنكشف لمن هم حولنا بسهولة وسرعة خلافاً لما هي الحال في العالم الخارجي. فالكذاب «يحترق» خلال أيام أو أسابيع، والشره ينكشف في أول وجبة طعام، والجبان يفتضح أمره عند أول امتحان، ولا يستطيع البخيل أن يداري بخله طويلاً، أما متقلّب المزاج فسرعان ما يحوّل حياة زملائه إلى جحيم. ثم إن الألفة المديدة تهدّد بأن يغمر الابتذال الجميع، ويفقدهم احترامهم لبعضهم ولأنفسهم.
يقوّض السجن «حقاً» أساسياً لكل إنسان: حقه في عرض الصورة التي يحبها عن نفسه، حقه في تجنّب امتحان دائم يكشف عيوبه وتوازناته الداخلية القلقة أو المفقودة؛ وفي الجوهر حقه في الخصوصية، في ألا يكون معروضاً أمام عيون الناس 24 ساعة كل يوم، مهما أمكن لهذه العيون أن تكون متعاطفة ومعروضة هي بدورها لتفحص لا ينتهي. من يحب أن تكون غرفة نومه معروضة لعيون المارة في الشارع؟ لا أسرار في السجن، إنه المكان الذي نفقد فيه خصوصيتنا جذرياً، ونقيم فيه في حالة انكشاف تام ليل نهار.
الكاتب : ياسين الحاج صالح
يذكر معاناته داخل سجون الأسد
من كتاب " بالخلاص يا شباب: 16 عاما في السجون السورية "
بالخلاص، يا شباب! 16 عاماً في السجون السورية > اقتباسات من كتاب بالخلاص، يا شباب! 16 عاماً في السجون السورية > اقتباس
مشاركة من صلاح العايدي
، من كتاب