ومن فجر الحضارة كان هناك مظهران متناقضان في العالم: مظهر كره يدعو إلى الحرب بين الأمم، ومظهر حب كمين يدعو إلى التعاون في الفنون والعلوم والنظم الاجتماعية. كانت المدن اليونانية تتحارب بالسلاح، وتتعاون في الفن والفلسفة؛ وكذلك كان العرب والفرس، والعرب والروم، والعرب والأسبان؛ وكذلك الشأن الآن بين الأمم الأوروبية بعضها وبعض، وبين أمم الشرق وأمم الغرب؛ فالتعاون بين هذه الأمم كلها — قديمًا وحديثًا — قدّم العلوم والفنون والفلسفة، والحروب أخرّتها. ولو ظل التعاون على أكمله ولم يعقه عائق من الحرب لبلغت العلوم والفنون أضعاف ما بلغت الآن؛ فبالتعاون حييت فلسفة اليونان، وبالحروب ماتت، ثم بالتعاون بعثت؛ وهكذا فلسفة الإسلام وفنون الإسلام. وما كان من خير مشترك في هذا العالم كنظم التعليم، والنظم الاجتماعية، والسكك الحديدية والبرية ونحو ذلك، فضرب من ضروب التعاون؛ وما كان من خراب وبؤس للشعوب وخوف على الأنفس والأموال، فمنشؤه الحرب التي دعا إليها الكره.
مشاركة من Wafa Bahri
، من كتاب