وأكبر شقاء العالم الإنساني — أفرادًا وأممًا — أتى من أنه جهل قوانينها، أو عرفها ولم يسر عليها. ولا أمل في سعادته حتى يعلم، وحتى يعمل وفق ما يعلم.
فيض الخاطر - الجزء الثاني > اقتباسات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الثاني
اقتباسات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الثاني
اقتباسات ومقتطفات من كتاب فيض الخاطر - الجزء الثاني أضافها القرّاء على أبجد. استمتع بقراءتها أو أضف اقتباسك المفضّل من الكتاب.
فيض الخاطر - الجزء الثاني
اقتباسات
-
مشاركة من Wafa Bahri
-
نعم قد تعرَّض لنقد الحالة الاجتماعية في عصره أبو العلاء المعري، ولكنه لم يحقق غرضنا من ناحيتين: من ناحية أنه فصل في تعديد نواحي الفساد، ولكنه لم يحلل كل ناحية كما ينبغي؛ قال بفساد القضاة وفساد رجال الدين وفساد الأمراء وفساد المرأة، ولكنه لم يحلل تحليلًا تفصيليًّا نواحي هذا الفساد وأسبابه وجنايته على العالم؛ وله بعض العذر في ذلك؛
لأن الشعر لا يفسح المجال لهذا التحليل؛ ولو عالج هذه الموضوعات نثرًا مرسلًا لتأتى له ذلك.
وثاني الأمرين في شعر أبي العلاء أن نزعته لم تكن نزعة إيجابية في الدعوة إلى الثورة وإصلاح الحال، ولكنها دعوة سلبية إلى الزهد وترك الدنيا. ونحن إنما ننشد العمل الإيجابي والإصلاح الإيجابي والانغماس في الحياة لمعالجتها لا الهروب منها.
مشاركة من Wafa Bahri -
أنه لما اختلط المسلمون بالأمم الأخرى في العصر العباسي، وعرضت عليهم آثار الأمم وخاصة اليونان، نقل الناقلون إلى اللغة العربية فلسفة اليونان وطبهم وجغرافيتهم ورياضتهم وهندستهم؛ ولكنهم لم ينقلوا أدبهم ولا شعرهم ولا قصصهم ولا تمثيلهم؛ فكان موقفهم غريبًا، إذ سمحوا للعقل أن يتغذى بأنواع أخرى من الغذاء، ولم يسمحوا للعاطفة أن تتغذى بأنواع أخرى من الفن! بل أمعن في باب الغرابة أن يسمحوا بنقل نظريات فلسفية تتعارض في صميمها مع الدين الإسلامي، ولم يسمحوا أن ينقلوا ضروبًا من الشعر والأدب اليوناني لا تتعارض مع الإسلام في شيء! ولقد كان يكون في هذا التصرف بعض العذر، لو أن منبعهم في الشعر الذي يستقون منه منبع إسلامي، أما ومنبعهم الوحيد هو الشعر الجاهلي الوثني بما فيه من لات وعزى، وخمر وميسر، وشرك وأوثان. فالأمر جد غريب!
أعتقد أن من أهم الأسباب في ذلك أنه لو كان حملة لواء الأدب في العصر العباسي عربًا خلصًا لسمحوا للآداب الأخرى أن تعرض عليهم، ولأخذوا منها ما تستسيغه أذواقهم، وتجيزه مداركهم؛ ولكن كان أكثر حملة لواء الأدب أعاجم استعربوا. والأعجمي إذا استعرب كان قصارى همه وغاية كده أن يصل في فنه إلى العربي الأصيل، ولا تحدثه نفسه أن يبتكر في القديم، أو يجدد في الشيء الأصيل. أترى المصري — مهما بلغ في إتقان اللغة الإنجليزية — تحدثه نفسه أن يبتكر في الشعر الإنجليزي؟ أو الشامي مهما بلغ في إجادة اللغة الفرنسية أن يبتكر في الشعر الفرنسي؟ إنما يبتكر في الإنجليزية والفرنسية الإنجليزي الأصيل والفرنسي الأصيل؛ لأنه من الناحية النفسية لا يشعر فيها بعجز طبيعي، فكذلك الشأن في العربي الأصيل والأعجمي الحامل لواء العربية في العصر العباسي، وهناك من غير شك أسباب أخرى..
مشاركة من Wafa Bahri -
ومصيبة العالم الآن وقبل الآن ناشئة من أن نظمه كلها مؤسسة على الحب الضيق، والكره الواسع؛ فالوطنية ليست إلا حبًّا ضيقًا في حدود الإقليم، مغَلَّفًا بكره واسع في خارج الحدود. ومن الأسف أن ليس في الإمكان أن تدعو أمة إلى ترك وطنيتها؛ لأنك بذلك تدعوها إلى إلقاء السلاح وسط مسلحين لا يكادون يشعرون بإلقائها سلاحها حتى ينقضوا عليها.
مشاركة من mady ahmed -
إن الحب إذا فشا في أمة أتت بالأعاجيب، وفعل فيها ما لا يفعل المال والعلم والفلسفة.
مشاركة من Esraa adel -
❞ الحق أن العقل والجنون في هذه الحياة أمران نسبيَّان؛ فكل إنسان فيه كمية من عقل وكمية من جنون، وتختلف صغرًا وكبرًا؛ ❝
مشاركة من حسن البارقي -
❞ الرخاء قد يُفسد الطبيعة البشرية، فلا بد لها من شقاء يصلحها؛ والحديد قد يفسد، فلابد له من نار تذيبه حتى تصلحه وتذهب خبثَه؛ فكذلك النفوس قد يطغيها النعيم ويصدئها الترف، فلا بد لها من نار تُكْوَى بها لتنصهر ويذهب رجسها. ❝
مشاركة من حسن البارقي -
❞ إن وراء كل جيش في الأمة جيشًا غير منظور من قلوب نسائه، ووراء كل جيش صاخب جيش المرأة الصامت، ووراء البنود والأعلام والجنود والذخائر دخيرة أسمى وأرقى وأقوى وأغلى، وهي «قلب المرأة». ❝
مشاركة من حسن البارقي -
❞ لا أمل في هذا الإصلاح حتى ينشط رجال الأمة وشبانها للخدمة العامة، وأن يمتلئوا عقيدة بضرورة المساهمة في الإحسان بالمال وبالنشاط ❝
مشاركة من حسن البارقي -
والأنس بالوحدة فنٌّ كسائر الفنون، يحتاج إلى مرانٍ طويل ومنهجٍ شاق.
في أول ممارستها يشعر الإنسان بضيق أي ضيق، ويحاول الهرب منها إلى كتابٍ أو صديق، ثم لا يرى في العالم شيئًا يُقرأ ولا في نفسه معنى يُبحث،
مشاركة من نيرة مصطفى كامل -
مصيبة كبرى ألا يصادق الإنسان نفسه؛ لأن نفسك هي الشيء الوحيد في العالم الذي لا تستطيع أن تهرب منه، فقد تستطيع أن تهرب من زوجك، ومن ابنك وبنتك، ولكن لا تستطيع بحال أن تهرب من نفسك ولا بالموت؛ فإذا كانت
مشاركة من نيرة مصطفى كامل -
وقد تؤنس الوحدةُ ما لا يؤنس الجمع، ولكن هذا لا يكون حتى تتخذ من نفسك صديقًا؛ وليس ذلك بالأمر اليسير؛ فكثيرٌ من الناس اتخذوا من أنفسهم عدوًّا، يتناولونها دائمًا بالنقد والتجريح، ويصغّرون ما تأتي به من أعمال، ويحقّرون ما يصدر
مشاركة من نيرة مصطفى كامل -
في حضرة اللانهاية ومناظرها يشعر الإنسان بالتسامي والرقي، ويشعر بلذة التغير من حياة مادية كلها أكل وشرب وشهوات، وتشع عليه اللانهاية من نفسها فيحن إلى اللامادية، ويسبح في التجرد، ويحتقر ما هو متقلب فيه أثناء حياته اليومية، وتلمع في نفسه لمعات برق مضيئة يود لو طالت، ولكنها لا تطول، فسرعان ما تجذبه أرضيته إلى الأرض، وماديته إلى المادة.
في هذه المواقف تتحرك العاطفة الدينية، فهذه اللانهاية الصغرى تذكر الإنسان باللانهاية الكبرى، وهذه الأزلية الأبدية المحدودة نوعًا ما، تذكر بالأزلية الأبدية المطلقة، وهذه ضعة الإنسان أمام جلال البحر والشمس والأفق وما إليها، تذكره بضعة هذه كلها أمام خالقها، وتجرُّد النفس أمام هذه المناظر يطمعها في الخلود، على حين أن انغماسها في المادة يبعث فيها الشره؛ لتنعم أكثر ما يمكن من النعيم قبل أن يدركها الموت، ثم هذا الغموض في هذه المناظر يذكرنا بالموضوعات الدينية التي دقت عن الفكر وسبح فيها الخيال، كالنعيم المقيم، والعذاب الدائم، والجنة والنار، واللوح والكرسي والعرش، وما إلى ذلك.
أمام هذه المناظر الجليلة، والمناظر الجميلة، والمناظر اللانهائية، تنبعث صرخة من أعماق القلب: «هنا موضع سجود».
مشاركة من Wafa Bahri -
إنما طلب محمد الحق من طريق أسمى من ذلك كله، وأرفع من ذلك كله: طلبه من طريق القلب، وأعلن أنه لم يطلب علمًا ولكن طلب إيمانًا، فأعلن أنه أمي وفخر بأمّيته؛ لأن القلب فوق اللغة، وفوق الكتابة والقراءة، وفوق العلم، وفوق المنطق؛ وهو القدر المشترك بين الناس، لا يؤمن بحدود اللغة والجنس، ولا يؤمن بحدود اللسان والألوان. من أجل هذا لم يذهب — وقد حار — إلى معلم يعلمه الكِتَاب، ولا إلى مثقَّف بالكتب والأديان، وإنما فضل على ذلك كله غار حراء حيث الطبيعة — على فطرتها — مفتوحة أمام قلبه، وحيث يتصل هو وهي بربها وربه. لقد اهتدى إلى الصراط المستقيم، واتجه اتجاه الأنبياء، لا اتجاه الشعراء والعلماء، وتهيأ للأمر العظيم، فلمعت في قلبه الشرارة الإلهية، كما يتهيأ السحاب فيلمع البرق. لقد أضاءت له هذه الشرارة الإلهية كل شيء، وكانت رسالته من جنس هدايته؛ فرسالته أن يبعث الحياة في القلب، ويبعث الضوء إلى النفس، كالقمر يستمد نوره من الشمس، ثم يعكس أشعته الجميلة على الناس، يشترك في الاهتداء به العالم والجاهل، والذكي والغبي، والفيلسوف والعامي، على اختلاف فيما بينهم؛ لأن لديهم جميعًا قدرًا مشتركًا من القلب صالحًا للاهتداء ..
وليست العقول مسايرة في الرقي والانحطاط للقلوب، فقد يكون مريضُ القلب صحيح العقل، وقد يكون صحيحُ القلب مريض العقل، ومقياس صحة الاستفادة من النبوة صحة القلب لا صحة العقل؛ فلذلك آمن بلال قبل أن يؤمن عمرو بن العاص، وأسلمت جارية بني مؤمل قبل أن يسلم أبو سفيان.
مشاركة من Wafa Bahri -
كل أدب في العالم خاضع للنقد، ولا يرقى إلا بالنقد؛ كما أن كل أدب لا يمكن أن يحيا وينهض إلا باقتباسه من حين إلى آخر من الآداب الحديثة، والمقارنة بينه وبينها، حتى تعرف جوانب قوته وجوانب ضعفه، ثم يستفاد من هذه المقارنة بإدخال ما توحي إليه من إصلاح.
مشاركة من Wafa Bahri -
إن كان ما أقول حقًّا، وكان ما وصفت داء، وجب أن نضع له الدواء، والدواء في نظري أشياء.أهمها: ألا يكون في برنامج المدارس الثانوية دراسة للأدب الجاهلي وما يشبهه كأدب جرير والفرزدق والأخطل. وبعبارة أدق — أن يكون لنا نوعان من الدراسة: نوع للخاصة كقسم اللغة العربية في الجامعة والأزهر ودار العلوم، وهؤلاء يدرسون كل شيء في الأدب العربي قديمه وحديثه، جاهليه وإسلاميه ما استطاعوا؛ فهم يدرسون الأدب الجاهلي كما يدرس رجال الآثار الآثار القديمة، وكما يدرس رجال التاريخ التاريخ القديم. أما غير المتخصصين كطلبة المدارس الثانوية وأشباههم فحرام أن يضيعوا أوقاتهم في دراسة الأدب الجاهلي وهم لا يعلمون من الأدب شيئًا، وحرام أن نلوي عقولهم وأذواقهم بالمعلقات وأشباهها، وهم لم يتكون ذوقهم الأدبي بعد؛ فيجب أن يقطعوا مرحلة التعليم الثانوي بدراسة نماذج من القرآن الكريم ونماذج من الأدب الحديث ومختارات سهلة عذبة من الشعر العباسي وأمثاله، على شرط أن يكون هذا الأخير متفقًا والذوق الحديث، ملائمًا في موضوعاته وفنه لحياتنا الحالية؛ فان نحن قرأنا لهم شيئًا من الشعر الجاهلي فعلى شريطة أن يكون سهلًا عالميًّا لا صعبًا موضعيًّا؛ ولخير لهم ألف مرة أن يقرءوا أدب المعاصرين وشعر المعاصرين من أن يقرءوا للشنفرى وتأبط شرًّا وجرير والفرزدق؛ فإن هؤلاء المعاصرين يشعرون شعورهم، ويكتبون بلغتهم، ويتعرضون لموضوعات تهمهم، ويتذوقون بذوقهم، فإذا أكثر الطلبة من قراءة مؤلفاتهم استطاعوا أن يقطعوا مرحلة كبيرة في سبيل رقي لغتهم وتكوّن ذوقهم. وليس يفيدهم شيئًا أن يضيعوا سنة أو أكثر في دراسة مختارات من المعلقات، وسنة أخرى في دراسة مختارات من جرير والفرزدق والأخطل، وليت الأمر اقتصر على عدم الفائدة، بل إن ضرره محقق في إفساد ذوقهم وضياع زمنهم.إن الأمم الأخرى الحية كإنجلترا وفرنسا تدرس لطلبتها شيئًا من الأدب القديم، ولكن قديمها ليس كقديمنا، فعمر الأدب الإنجليزي والفرنسي حديث لا يمعن في القدم إمعان الأدب الجاهلي، بل إن نحن وقفنا عند العصر العباسي كنا أقدم منهم. وشيء آخر، وهو أن أدب هذه الأمم — مهما قدم — وليد حضارة تشبه حضارتهم التي يعيشون فيها، ووليد بيئة اجتماعية هي أصل لبيئتهم الاجتماعية الحالية، فهم إذا درسوا هذا الأدب القديم تذوقوه كما يتذوقون حضارتهم، ووجدوا فيه موضوعات من جنس موضوعاتهم. أما الأدب الجاهلي فوليد بيئة مختلفة تمامًا عن بيئتنا الحالية، وتحتاج في فهمها إلى تخصص تام لمعرفة البداوة وشئونها وأحوالها حتى نستطيع أن ندرك أدبها، وهذا القدر لم يدركه المتخصصون فكيف بالطلبة؟
إني أسائل رجال الأدب بإخلاص: ماذا استفاد طلبة المدارس من دراسة الأدب الجاهلي في إنشائهم وفي معلوماتهم وفي تربية ذوقهم؟ لا شيء إلا أن يمثلوا دور الببغاء، يحفظون ما يلقى عليهم حتى إذا نقشوه على ورق الامتحان تخففوا منه سريعًا، ولو أنهم صرفوا هذا الزمن في دراسة الأدب الحديث لنما الأدب الحديث وأزهر، ورقى ذوق الطلبة وأثمر.
مشاركة من Wafa Bahri -
كان غزل الأدب الجاهلي حزينًا بائسًا؛ لأن أرض الجاهليين بائسة فقيرة؛ ولأن سكانها كثيرو الرحلات وفي تنقل مستمر، والآباء يستنكرون من اجتماع الحبيبين؛ فما بال الغزل العباسي وغير العباسي حزينًا بائسًا، والخير وفير، والحبيب قريب؟ بل ما بال الغزل في الإماء حزينًا بائسًا والأمة في اليد ولا يستنكف مالكوها من حب ووصال؟وكان أدباء الجاهلية يفتتحون قصائدهم بالنسيب إذا أرادوا مدحًا أو أرادوا هجاءً أو
أرادوا أي غرض؛ لأن هذا يتفق وذوقهم؛ فما بال الأدب الذي أتى بعد ينحو هذا المنحى وقد تغيرت الظروف؟
وما بال الشاعر العباسي يقصد إلى الممدوح التركي أو الفارسي فيتغزل بدعد ويهيم بدعد، في أبيات طوال حتى يصل إلى الممدوح وقد أضناه التعب؟وكان الشاعر الجاهلي يقطع الفيافي والقفار على ظهور الإبل، فيصف عناءه، ويصف طريقه الوعر، ويصف هزال ناقته، وهو في ذلك صادق كل الصدق؛ ولكن ما شأن مسلم بن الوليد وأبي نواس وأبي تمام والبحتري، والممدوح في بغداد والمادح في بغداد،
والشاعر يسير على رجله خطوات ليصل إلى الممدوح فلماذا يحشر في الوسط ناقة وبيداء ونحو ذلك؟
وكان الشاعر الجاهلي يخرج للبادية، ويصعد الجبال ويهبط الوديان، ويصيد الوحش، ويرى المها والغزلان، وعيون المها وجيد الغزلان، فيشتق تشبيهاته مما يرى ومما يحس ويلمس؛ ولكن أين المها في بغداد أما عليّ بن الجهم حين يقول:«عيون المها بين الرصافة والجسر»وأين المها والوعل في مصر والأندلس، حتى امتلأ بذلك كله شعر مصر والأندلس؟
وكان الشاعر يرحل في صحبه، فإذا وقف على دار محبوبته استوقف أصحابه يعينونه على البكاء؛ وقد حدث لأمر ما أن قال «امرؤ القيس» الجاهلي: «قفا نبك» بصيغة التثنية، وكان في هذا صادقًا؟ فما بال «حافظ إبراهيم» في مصر، ولا دار ولا أطلال ولا صحب، يقول في مدح الشيخ محمد عبده:
بكّرا صاحبيَّ يوم الإياب
وقفا بي في عين الشمس قفا بي
ويطول بي القول لو أخذت في تعداد هذه الأشياء التي لا علة لها إلا سلطان الأدب الجاهلي على الأدب العربي.ولعل هذا كان من الأسباب التي جعلتهم يقولون: «إن أجود الشعر أكذبه» أفليس كل هذا كذبًا في كذب؟
مشاركة من Wafa Bahri -
رفعوا من قيمة كل شيء جاهلي وغلوا في تقديره؛ فالماء الحقير في مستنقع جاهلي أفضل من الذكر من دجلة والفرات والنيل وكل أنهار الدنيا، والجرادتان اللتان غنتا النعمان كان صوتهما وغناؤهما خيرًا من كل صوت وغناء، ودَوسَر كتيبة النعمان بن المنذر أقوى جيش عرفه التاريخ، وأيام العرب في الجاهلية ووقائعها الحربية لا يعادلها أي يوم من أيام المسلمين، وجبلا طيئ خير جبال الدنيا، وحاتم الطائي لا يساوي كرمه كرم، حتى الرذائل لا يصح أن يساوى برذيلتهم رذيلة. فليس أبخل من مادر، ولا أشأم من البسوس، ولا أسرق من شظاظ!
مشاركة من Wafa Bahri -
لقد آن لنا أن نفك هذه الأغلال كما نفك قيود الاستعمار سواءً بسواء؛ لأن الأدب الجاهلي يستعمر عقلنا وذوقنا، فيشلنا شلل الاستعمار.
وآن لنا أن يكون شعر كل أمة عربية، وأدب كل أمة عربية، صدى لشعورها وسجلًّا لأحداثها وتغنيًا بعواطفها وتوقيعًا على موسيقاها،
وآن لنا أن يكون موضوع الشعر خلجات نفوسنا وتمجيد طبيعتنا، وتاريخ ما يحدث بين أيدينا.
مشاركة من Wafa Bahri -
أليس عجيبًا أن يفتح المسلمون بلاد الدنيا ثم لا يقول الشعراء في ذلك شيئًا يذكر؟ أو ليس عجيبًا أن يكتسح التتار العالم الإسلامي، ثم لا يقولون في ذلك أيضًا شيئًا له قيمة؟ ثم تأتي الحروب الصليبية، وتكون عجبًا من العجب، وتستمر السنين تلو السنين، وتكون ملعبًا للعواطف، وتتوالى فيها الأحداث تذيب القلوب وتصهر النفوس، ثم يتحول أكثر ما قيل فيها إلى مدح الملوك الفاتحين أو المنتصرين، ولا يقال إلا القليل في المعنى السامي المجرد عن الأشخاص؟ وكل ما يلتمس من التعليل الصحيح أن يقال: إن الجاهليين لم يقولوا شعرًا في هذه المعاني فلم يقل في ذلك من بعدهم!أليس من السخرية ومما يستوجب الحسرة والأسى أن يترك الشعراء هذه المواقف كلها وأمثالها مما يقع سمعهم وبصرهم، فلا يحركهم إلا «قفا نبك» و«مال الغبيط»، فإن جددوا في شيء فأن يكون الممدوح سيف الدولة بدل الغساسنة، وأن يكون المادح المتنبي بدل الأعشى؟
لا. لا. اللهم إن هذا منكر لا يرضيك. وهذه جناية قتلت الأدب العربي ووقفته أكثر من ألف سنة حيث كان، والزمن سائر والعالم متغير!
هل في ذوقنا الآن أن نبدأ الشعر في حادثة اجتماعية بالغزل؟ وهل في ذوقنا نحن الآن أن نملأ الشعر بأماكن البادية ومياه البادية وجبال البادية وأودية البادية؟ وهل في ذوقنا نحن الآن أن نتغنى برائحة العرار والخزامي، وأن نرعى الشيح والقيصوم؟ لا شيء من ذلك،
ولكنه التقليد المخجل والحرية المفقودة. أليس مما يستوجب الهزؤ والسخرية أن يكون تقسيم البارودي للشعر في القرن العشرين هو تقسيم أبي تمام للشعر في القرن الثالث؟!
مشاركة من Wafa Bahri
السابق | 1 | التالي |