عند تمام العاشرة وصلت .. تبدو في فستانها الحريري الأحمر أصغر سنًا وأكثر حيوية .. تعلو ضحكاتها وهي تصافح الجميع بدو، وتبدو تمامًا كامرأةٍ سعيدة. منذ سنواتٍ وهي تقاوم، ترفض السقوط ترفض الاعتراف بالهزيمة، ملامحها الرقيقة تخفي سنوات عمرها، وعيناها تدربتا على الكذب لسنوات، حتى اكتسبتا المهارة الكافية لادعاء السعادة بثبات.
.. من الصعب الليلة ـ وهي بهذا الفستان الملتصق عند الخصر والمنسدل من بعده، وبهذا الوجه الرقيق والعيني الكاذبتين ـ أن تعرف أو تفهم أو تتخطى الهالة حولها، أو تفطن لشيءٍ من غموضها، هي الليلة واضحة جدًا، واضحة وضوح كاذب، تمامًا كاللون الأحمر.
تصافحهم ببرودٍ مصطنع، وبأحاديث فارغة.. تتجاذب معهم أطراف الحديث، وبينها وبينهم خيوطٌ وهمية تربطها بهم رغمًا عنها، تتفكك روحها إلى أجزاء، حين تتذكر خيبات أملها المتكررة معهم .. تسحب أنفاسها بصعوبة، تقاوم نوبة بكاء تجتاحها فجأة، ويخطر لها أن تتحرر.
تفكِّر أنه ربما آن الأوان لتولد من جديد، طفلة نقية على الفطرة.. الطفولة لا تعرف الذكريات، ولا تعرف خيبات الأمل .. الطفولة لا تعترف بغضبٍ مكتومٍ مدخر داخل الجسد، أجساد الأطفال وقلوبهم نظيفة، والفطرة شيءٌ نقيٌ بداخلنا ينتظر أن يتحرر.
هذه الخيوط التي تربطها بهم تمدها برصيدٍ من الغضب والذكريات المرتبكة، ويروق
لها أن تقطع تلك الخيوط وإلى الأبد، لتحرر نفسها .. لتعفُ إذًا اليوم وتصفح عن كل ما مضى، وكل من مضوا .. ولتحتفظ بجسدها نقيًا من الغضب والكره والألم .. ولتتحرر
........
الفستان الأحمر
مشاركة من إبراهيم عادل
، من كتاب