كنت مستعدة لفعل أي شيء كي أوقف تدفق هذه الذكريات. نهضت، وسرت عائدة إلى الأشجار.
أسندت يدي إلى جذع شجرة القيقب الخشن التي تجثم فيها الطيور.
لم يسبق لي أن غنّيت أغنية شجرة الشنق بصوت عالٍ منذ عشر سنوات، وذلك لأن الأغنية ممنوعة، لكنني أتذكر كل كلمةٍ وردت فيها.
بدأت بالغناء بصوتٍ ناعمٍ وشجي، أي كما اعتاد والدي أن يغنيها:
"هل ستأتين، هل ستأتين
إلى هذه الشجرة
حيث شنقوا الرجل الذي قالوا
إنّه قتل ثلاثة رجال؟
لكنّ أموراً غريبة تحدث هنا
لن نحسً بالغربة إذا التقينا هنا
في منتصف الليل عند شجرة الشنق".
بدأت الطيور المقلّدة بترديد الأغنية عندما سمعتها:
"هل ستأتين، هل ستأتين
إلى هذه الشجرة
حيث طلب الرجل المحتضر من حبيبته الفرار؟
لكن أموراً غريبة تحدث هنا
لن نحس بالغربة إذا التقينا هنا في منتصف الليل عند شجرة الشنق".
حزتُ الأن على انتباه الطيور، وتأكدت بأن المقطع التالي من الأغنية سيجعل الطيور تستوعب النغمة لأنها بسيطة، وهكذا ردّدتها أربع مرات مع تنويعاتٍ بسيطة:
"هل ستأتين، هل ستأتين
إلى هذه الشجرة
حيث طلبت منك أن نهرب، كي نكون
حرّين أنا وأنت؟
لكن أموراً غريبة تحدث هنا
لن نحس بالغربة إذا التقينا هنا
في منتصف الليل عند شجرة الشنق".
خيّم جوٌّ من الصمت على الأشجار، ولم نسمع سوى حفيف الأوراق عند مرور النسيم من بينها.
لم أرَ طيوراً، سواء أكانت طيوراً مقلّدة أو غيرها.
أعتقد أن بيتا محق. تصمت الطيور عندما أغني، وهو الأمر ذاته الذي فعلته مع والدي.
"هل ستأتين، هل ستأتين
إلى هذه الشجرة
معلّقة عقداً من الحبال، أنا وأنت
جنباً إلى جنب؟
لكن أموراً غريبة تحدث هنا
في منتصف الليل عند شجرة الشنق".
توقعت الطيور أن أستمر بالغناء، لكن لم يحدث شيء. فقد تذكرت أخر مقطع من الأغنية.
تذكرت المشهد وسط السكون.
كنت في المنزل بعد يوم أمضيناه في الغابة مع والدي. جلست على الأرض مع بريم التي كانت طفلة أنذاك، وغنّينا أغنية شجرة الشنق، ورحنا نصنع لأنفسنا عقوداً من بقايا حبالٍ قديمة، أي مثلما ورد في الأغنية، ومن دوم معرفة المعنى الحقيقي للكلمات.
كان اللحن بسيطاً ويسهل التناغم معه. كان من السهل عليّ حفظ أي شيء كتب كي يغنى من المرة الأولى أو الثانية. جاءت والدتي فجأةً، وانتزعت العقود التي صنعناها من الحبال، وأخذت تصرع في وجه والدي. بدأت بالبكاء لأن الصراخ لم يكن من عادة والدتي. وبدأت بريم بالبكاء على الفور لأن المخبأ الوحيد الذي أعرفه كان في المرج تحت شجرة زهر العسل.
عمل والدي على تهدئتي وأخبرني أن كل شيء على مايرام، لكن من الأفضل ألّا نغني تلك الأغنية بعد الأن, طلبت مني والدتي نسيان تلك الأغنية. هذا هو السبب الذي دفعني إلى حفر كل كلمة من كلمات الأغنية في ذهني.
امتنعنا عن غناء هذه الأغنية، كما أن والدي وأنا لم نتحدث عنها، لكنها كانت تخطر في ذهني كثيراً بعد موته، كبرت الأن، وأصبحت قادرة على فهم كلمات الأغنية، بدا أن مطلع الأغنية يشتمل على دعوة رجل صديقته كي تجتمع بع سراً في منتصف الليل.
كان من المستغرب أن يُضرب موعد كهذا تحت شجرة الشنق، حيث شنق رجل لأنه ارتكب جريمة. بدا كذلك أن حبيبة ذلك القاتل لها علاقة ما بالجريمة، أو لعلها كانت ستتلقى العقاب على أي حال لأن جثتّه كانت تطلب منها الهرب. يعتر هذا مشهداً غريباً بطبيعة الحال، أي ذلك الجزء الذي يتعلق بالجثة التي تتكلم.
يزداد التوتر الذي تسببه شجرة الشنق وعلى الأخص في القسم الثالث منها. إذ يدرك المستمع أن الذي يؤدي هذه الأغنية هو ذلك المجرم المقتول.
بقي الرجل معلّقاً على شجرة الشنق. وبالرغم من أنه أبلغ حبيبته بضرورة الفرار، إلا أنه ظل يطلب منها المجيء كي تلتقيه. أما عبارة حيث طلبت منك أن نهرب، كي نكون حرّن أنا وأنت، في أكثر العبارات إثارة للقلق لأن المرء يعتقد في البداية أن الرجل يتحدث عن اولقت الذي أبلغها فيه بضرورة الفرار، وربما إلى مكان أمن. لكننا نبدأ بالتساؤل عنا عمّا إذا كان ذلك يعني أن تهرب إليه، أي إلى الموت. يتضح لنا في المطلع الأخير أن هذا هو ما ينتظره. يريد الرجل أن تأتي حبيبته إليه مع عقدها المصنوع من الحبال، وأن تتدلى مشنوقة على الشجرة.
كنت أظن أن ذلك المجرم هو أكثر الأشخاص إثارة للرعب يمكن أن يتصوره الإنسان، أما الأن، وبعد أن امتلكت الخبرة بعد اشتراكي مرتين في مباريات الجوع، فقد قررت ألّا أحكم عليه قبل معرفة تفاصيل أكثر. يحتمل أن تكون محبوبته محكومة بالإعدام، ولذلك يحاول تسهيل الأمر عليها عن طريق إعلامها بأنه سيكون في انتظارها، أو لعله اعتقد أن المكان الذي تركها فيه أسوأ من الموت بالفعل. ألم أرغب أنا في قتل بيتا بتلك الحقنة كي أخلّصه من قبضة الكابيتول؟ هل كان ذلك هو الخيار الوحيد المتاح لي؟ يحتمل أن يكون الجواب نفياً، لكنني عجزت عن التفكير في خيار أخر في ذلك الوقت.
مشاركة من abd rsh
، من كتاب