كتب الجاحظ كتابا في المعلمين، وجمع فيه نوادرهم وحماقاتهم وما هم عليه في مقارعة الصبيان، ثم بدا له بعد ذلك أن يمزق ما كتب.
وحدث أنه أتى الكوفة فرأى معلما حسن الهيئة، فسلم عليه فهش المعلم له وبش، ورد عليه كأحسن ما يكون رد السلام. ثم إن الجاحظ باحثَه في القرآن وأسباب النزول وفي المختلف والمتشابه فوجده عارفا
حاذقا، ثم ناقشه في الفقه والنحو فكان على خير وجه، وتجاذبا أطراف الحديث في اللغة وأشعار العرب فإذا المعلم كامل الأدب، فازداد الجاحظ قناعة في أن يعدل عما كتب.
وتردد على المعلم أياما يأنس بحديثه، ثم حدث أن الجاحظ أتى الكتّاب ذات صباح فوجده مغلقاً، فسأل عن السبب فقيل له: مات للمعلم ميت، فحزن عليه وجلس في بيته للعزاء، فقصد الجاحظ دار المعلم، ودنا منه، وخفف عنه، مذكرا إياه أن الموت كأس وكل الناس ذائقه، ثم سأله بصمت عن صلته بالميت:
أهو والدك؟ فأجاب المعلم: لا.
فأخوك؟ فقال: لا، فزوجك؟ فقال:لا، فقال الجاحظ إذا ما هو منك؟ فقال: حبيبتي.
حينها هدَّأ الجاحظ خاطره وقال له: إن النساء كثير ويتجد غيرها.
فقال المعلم: وهل تظن أني رأيتها؟!
فقال له الجاحظ: وكيف عشقت ولم تر؟
فقال: كنت منذ أيام جالساً قرب النافذة فمر رجلٌ وأنشد:
يا أمَّ عمرو جزاك الله مكرمة
ردي عليَّ فؤادي كالذي كانا
لا تأخذين فؤادي تلعبين به
فكيف يلعب بالانسان إنسانا
فقلت في نفسي لو لم تكن أم عمرو أجمل نساء الأرض ما قال صاحبنا هذا فيها، فعشقتها، ثم مضت أيام وجاء نفس الرجل منشداً:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو
فلا رجعت ولا رجع الحمار
فعلمت أنها ماتت، فأغلقت الكتَّاب وجلست للعزاء، حينها قال له الجاحظ: حين رأيتك كنت قد عزمت على تقطيع كتاب المعلمين، أما الآن فإنك أول من أبدأ به!
كش ملك > اقتباسات من كتاب كش ملك > اقتباس
مشاركة من هالة أبوكميل-hala abu-kmeil
، من كتاب