#منشورات_حياة_على_أبجد
نسى قلمه فأصبح كاتبا
اسم الكتاب: كيف أصبحت كاتبا.
المؤلف: بول أوستر.
يعدّ واحدًا من أهم الكتّاب والروائيين الأميركيين في العصر الحالي، تخرَّجَ أوستر من جامعة كولمبيا حيثُ تتلمذَ هناك على يد المفكّر العربي إدوارد سعيد، ثمّ اختار أن يشتغل مهناً بعيدة كل البعد عن تخصُّصه، ثم عمل مترجما للأدب الفرنسي، قبل ان يبدأ الكتابة في الرواية والقصة، من أبرز أعماله (ثلاثية نيويورك ـــ قصر القمر ــ كتاب الأوهام ـــ اختراع العزلة ـــ حماقات بروكلين ــ 1234).
ترجمة: أحمد الطائف.
تحرير: مروة الإتربي.
دار النشر: منشورات حياة.
عدد الصفحات: 90 صفحة
سنة النشر:2023م
موضوع الكتاب:
وهو عبارة عن لقاءات أدبية أجراها الكاتب في متحف الفن الحديث بالدنمارك، يسرد فيها علاقته بالكتابة والقراءة التي بدأت في سن الثامنة: (لحسن الحظ كانت بالبلدة مكتبة عامة جيدة، وكنت مواظبا على ارتيادها للقراءة هناك أو استعارة الكتب كان ذلك في عمر الثامنة تقريبا)، وعندما كتب أول قصيدة في سن التاسعة ، منحه إحساسًا متميّزًا :( لقد شعرت خلال ذلك الوقت القصير من الكتابة أن الحياة تدب في داخلي، وهو شعور لم يسبق لي أن شعرت به تجاه أي نشاط آخر، شعرت أني متصل بالعالم أكثر، وأنني أنظر إليه عن قرب وأكتب عنه) ، ممّا دفعه بعد ذلك لمحاولة كتابة القصة ثم الرواية، كما خصص ـــــــــ في الكتاب ـــــ جزءًا من حديثه عن تجربته في كتابة روايته العملاقة: "1234".
ومن الطرائف يذكر بول أوستر أن بداية حبه للقلم والكتابة هو أنه في صغره كان معجبًا بأحد لاعبي البيسبول، ثم حدث أن قابله فطلب إليه أن يمنحه توقيعه. فرحب اللاعب بذلك، وطلب منه قلمًا للتوقيع، لكن المشكلة أنه لم يكن معي قلم حينها، سألت أبي، سألت أصدقاءه، لم يكن لدى أيٍّ منا قلم، فاعتذر ميس قائلًا: إذا لم يكن لديك قلم فكيف أستطيع منحك توقيعي؟
يضيف أوستر بأنه لم يتمالك نفسه وشرع في البكاء. لكن تلك اللحظة كانت نقطة تحول بالنسبة له حيث أصبح يحمل معه قلمًا أينما ذهب؛ "لأنني لا أريد التعرض لموقف مشابه دون أن أكون مستعدًّا له. وتلك كانت البداية؛ بداية كل شيء"
ملخص الكتاب:
يروي الكاتب تجربته في الكتابة، مبينا الخطوات التي يفضّل أنْ يتبعها الكُتّاب الناشئين ليبرعوا ويبدعوا في كتاباتهم، وتتمثّل هذه الخطوات في النقاط التالية:
- اهتمام الكاتب بالقراءة، فيمارسها بانتظام، لأنَّها هي التي تمنحه الدافع للكتابة وتصقل موهبته وتطور رؤيته للحياة. (لطالما اعتقدت أن الكتابة، أو أي نوع آخر من الفنون والآداب هو نوع من المرض الذي يصيبك بشكل مبكر جدا في حياتك، فيصبح مقدر لك أن تمارسه، ولا تغدو حياتك مكتملة مالم تقم بذلك) (أن تكون مهووسا بالكتابة، ومدفوعا بوقود حبها، ولا يمكن لك أن تتصور أي نوع آخر من الحياة بدونها).
- ألا يتعجل الكاتب في الكتابة، لدرجة أنه قال إن كتابة صفحة واحدة قد تستغرق منه ثمان ساعات، وإنه يعد كل فقرة بمنزلة عمل فني صغير قائم بذاته.
- يكرّس الكاتب كل جوارحه للكتابة، ويبذل أقصى جهده في سائر الأوقات، ولا يتراخى، ويفضّل أنْ يكتب يوميًّا ليهذّب موهبته، وألّا يفقد الشغف بالكتابة البتّة.
(وقد أوضح أنَّ هناك نوعين من الكُتّاب: المنعزل عن الأضواء الذي يحبّ التركيز في كتاباته دون أيّ ضوضاء وهذا النوع هو الذي ـــــ غالبًا ــــ ما ينتج أفضل الأعمال الأدبية وأعمقها، والمنخرط في الحياة الاجتماعية الذي يحبّ مواكبة الأحداث في مجتمعه والعالم وأنْ يكون في الأضواء، ولا بأس في أنْ يكون الكاتب كذلك، لأنَّه يستقي مواضيعه ومواقفه ممّا يحدث حوله).
- أنْ يُحسِن الكاتب انتقاء عنوان النص الذي كتبه؛ ليوحي بمضمون العمل، وأنْ يكون مقبولًا للقراء لإحساسهم أنّه مرتبط بثقافتهم أيضًا.
- إيجاد مكان محدد للكاتب أو مفضّل لديه للكتابة فيه، يمكّنه من ممارسة طقوسه الخاصّة به المرتبطة بالكتابة فيه، مثل: المشي في غرفة الكتابة ذهابًا وإيابًا من جهة إلى أخرى إلى أنْ تنضج الفكرة، مشدِّدًا على نقطة ارتباط الفكرة ونموّها بحركة الجسد.
- أنْ يبقي عينيه مفتوحتين، وأن يتّسم بدقة ملاحظة محيطه، ليحسِّن تصويره أو إعادة إنتاج عوالم متناسقة ومتسقة في قصصه ورواياته شبيه بالمحيط الذي يعيش فيه أو قريبة منه؛ ليكون النص الأدبي منطقيًّا وواقعيًّا، فالحياة الواقعيّة تثري خيال الإنسان لتضَمّنِها احتمالات عدة، ممّا يعني أنَّ كاتب القصة أو الرواية يجب أنْ يبني شخصياته السردية بواقعية شديدة متناسبة مع بيئتها ومستوياتها كافة، ومع الجوانب التكوينية الخاصة بها، وأنْ يكون ملمًّا بالمرحلة الزمنية التي يصوّرها، وبالبيئة الاجتماعية الواردة في النص الأدبي أيضًا.
- يحسّن الكاتب من مخزونه اللُّغوي ويثريه، وأنْ يكون دقيقًا في استخدام مفرداته، والابتعاد عن الإسهاب دون داعٍ: (هناك كتاب جيدون، كما أعتقد، ولكنهم يكتبون أكثر مما ينبغي في كتبهم. إذ تحتوي تلك الكتب على عدد من الكلمات أكثر بكثير مما يلزم وأوصاف مفصلة للأشياء أكثر مما قد يتطلبه الأمر) فيجب أنْ يسمح للقارئ بإطلاق خياله في بعض الجوانب شبه الغامضة أو الرمزية في النص الأدبي، وإسهاب الكاتب لن يسمح بتطوّر خيال القارئ، الذي قد يثري طريقة فهم النص السردي المقروء.
- إدراك الكاتب أنَّ الفقرة في النص النثري هي فِقْرة مهمّة ضمن العمود الفقري الذي يقيم هيكل النص كلّه؛ لذلك عليه تجويد كلّ فقرة من فقرات نصّه، فيعيد قراءة ما كتبه غير مرّة، وينقّحه. باستخدام ما سماه:
• عملية ترشيق النص: وهي أن يجعل النص رشيقا ونحيلا)، (إن الأمر المهم حقا حين تعمد الى الكتابة ليس الجمل فحسب، بل أيضا ما يحدث حين تضع النقطة في نهاية الجملة لتبدأ جملة تالية جديدة. بعبارة أخرى، ماهي المسافة التي تريدها بين الجملة الأولى والجملة التالية)
• عملية الجرف: حيث كان يتوقف بني الحين والأخر لقراءة ما كتبه ومراجعته، وأطلق على هذه العملية اسم الجرف لأنها تشبه طريقة جرف أوراق الشجر المتساقطة على المرج، ليصبح أجمل، وأحيانا يتطلب الامر شهورا حتى يصل إلى الجملة في صورتها النهائية.
- ألا يلجأ الكاتب إلى اللغة المبتذلة والكليشيهات والعبارات العادية الرائجة.
- أن تكون كتاباته سهلة ومفهومة للناس دون أي تعقيد، وأن يبذل جهدًا كبيرًا فيها: لطالما اعتقدت أن كل رواية هي بمثابة مقطوعة موسيقية. الأمر يبدو وكأنك تستمع إلى مقطوعة من إبداع بيتهوفن.
- أنْ يتقبّل الكاتب فكرة تداخل بعض جوانب حياته مع الشخصيات السرديّة المصوّرة في بعض نصوصه الأدبية، فلا يخجل من ذلك ولا ينفي الأمر.
- إيمان الكاتب أنَّه لا توجد حدود لمخيّلته الأدبيّة، ممّا يعني أنَّه يمتلك قدرة كبيرة وخيالًا خَصْبًا يمكِّنانه من تصوير أيّ فكرة جديدة بأسلوب لا يخلو من ابتكار وأصالة في آنٍ معًا.
- تقبّل الكاتب فكرة أنّه غير مسيطر على سَيْر كتابته كليًّا، فقد تتطوّر أحداث النص السردي بطريقة غير متوقّعة والشخصيات السرديّة أيضًا، ممّا يسبّب له مفاجأة؛ فإنْ حدث له ذلك فما عليه إلّا أنْ يتقبّل هذا التطوّر غير المتوقّع سامحًا له بالظهور (إن الروائي ليس مجرد محرك للدمي، فأنت كروائي لا تتلاعب بشخصياتك كما يحلو لك).
وعن علاقة الكاتب بالقارئ يضيف بول أوستر:
على الكاتب إيجاد نوعًا من المصداقية والحميميّة بينه وبين القارئ من خلال ما يكتبه، فالكاتب يتوجّه في نصه إلى قارئ محدّد، يخلقه في ذهنه موجّهًا إليه ما ينتجه من كتاباته التي تكون مثل حديث دائر فيما بينه وبين ذلك القارئ، ممّا ينبني عليه قَبول الكاتب تعدّد التأويلات لنصّه الإبداعي وَفقَ تنوُّع ثقافة قرائه الذين يعدّون الجمهور المتصوَّر في ذهنه، الذي يوجّه الكاتب أدبه له.
والخلاصة:
هذا كتاب صغير الحجم، عظيم الفائدة، ماتع القراءة، يفتح أفاقا عديدة، لأنّه ينقل عصارة تجربة أحد أكبر الكتّاب العالمين في مجال الرواية، ممّا يستوجب توقّفنا عنده لقراءته واستيعابه وتمثّل تجربته، سواء أكنا من الكتّاب الناشئين، أم من دارسي الأدب.
#د_ماجد_رمضان