اقتباسات من رواية سادن المحرقة: قناع بلون السماء 2

أهي لعبة الأقنعة أم هو الفصام حقًّا؟ أأنا منفصمٌ أم مفصوم؟ مفصومٌ عن واقعٍ يعاني أشدَّ أطوار انفصام الشخصيَّة. بلى، الواقع هو الانفصامي وليس أنا.

أنا الإخلاص أنا الخيانة أنا الحطام، الهشيم، الدمار، فمن يلمُّني ويُعيدني إلى نفسي ويرحمني؟ وهل أنا مُقبلٌ على مرض الفصام حقًّا؟ أنا الذي أجلس برفقة مريم لكي أتعلَّم اللغة العربيَّة، تلميذًا أشكنازيًّا نجيبًا في الغداة، وفي العشيَّة ضابطَ مظلِّيِّين سابقًا،

كلاَّ، وشم الموت ليس على سواعد أجدادي فحسب، فقد ورثته معنويًّا. الوشم يَشِمُ روحي. رقم الموت يرافقني أينما حللت.‏

دولةٌ لا أعلم إذا ما كانت نتاجًا للمحرقة أم هي المحرقة بحدِّ ذاتها. بلى، كانت المحرقة وما زالت شريكة أيَّامي منذ مائدة جدَّتي سوزانا، وموجات الاكتئاب والضياع النفسيِّ الخاصَّة بجدَّتي روت،

‫ ‏لم أكن أُدْرك حينذاك أنَّ حفيد الناجين من المحرقة في داخلي هو من كان يدفعني بشجاعةٍ نحو معارك الدفاع عن حقِّنا بالوجود في أرضٍ لنا.

إنَّهنَّ بنات هذا الرجل المكلوم، بناته اللواتي قُتلن ممزَّقاتٍ بقذائفكم. انظر! حدِّق! ألا تراني مُعلَّقة الأشلاء على حائط البيت؟! انظر… ألا ترى جدَّتك سوزانا وهي طفلةٌ تعزف أجمل المقطوعات الموسيقيَّة في أوركسترا فرانكفورت؟!].‏

اليهوديُّ يرى في الفلسطينيِّ ذاته، يرى الضحيَّة. يرى تاريخ الاضطهاد والمنبوذيَّة الذي مورس بحقِّه. يرى الانكسار. وعندما يخشى من الفلسطينيِّ فإنَّه بالحقيقة يخشى من نفسه، ولهذا فهو يسعى نحو التخلُّص من مرآته، من الفلسطينيّ.‏

حقيقة الرواية كذبٌ مرصَّعٌ بأماني الصدق، صدقٍ يراقص وهمًا أمام حشدٍ من الاستعارات والتوريات.‏

أتعلم شيئًا؟ أحسدك أحيانًا على هذا الغياب المتخفِّف من الحياة وقرفها وظلالها ومنطقها.‏

هل ثمَّة أور شابيرا سواي؟! هل ثمَّة أور مثلي؟! أنا المنقطع النظير والأنفاس والآمال، باسمي الشاسع بالتاريخ العريق، والعابق بروائح المحرقة والحروب والصدمات والآلام، لا مثيل لي.‏

أنا الذي أجلس برفقة مريم لكي أتعلَّم اللغة العربيَّة، تلميذًا أشكنازيًّا نجيبًا في الغداة، وفي العشيَّة ضابطَ مظلِّيِّين سابقًا، معاقًا من معاقي جيش الدفاع. أهي لعبة الأقنعة أم هو الفصام حقًّا؟ أأنا منفصمٌ أم مفصوم؟ مفصومٌ عن واقعٍ يعاني أشدَّ أطوار انفصام الشخصيَّة. بلى، الواقع هو الانفصامي وليس أنا.

منذ عدَّة أيَّامٍ وأنا في هذه العزلة، التي ليست اضطراريَّةً ولا أيَّ هراءٍ آخر. إنَّني منعزلٌ عن العالم لأنَّني خاوٍ ومهجورٌ ومعطوبٌ ومصدوم، لا أقلَّ ولا أكثر.

أنتم مثلنا، أو نحن مثلكم، لا نملك من أمرنا شيئًا سوى الهويَّة. وأنتم أصبحتم تعرفوننا، وتُدركون مكامن قوَّتنا وضعفنا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.‏

‫ ‏- أجل نحن نعرفكم، ونعرف أكثر خوفكم منَّا. أنتم تخشون على محرقتكم من نكبتنا.‏

ما الذي دفعها إلى إحاطته بكلِّ اللعنات التي كان يتوخَّى تجنُّبها ومحاربتها والترعرع على نفيها؟ كيف تجرَّأت على القول له إنَّه يُقيم في المجزرة؟ كيف أشارت إليه بالاطِّلاع على كتبٍ ودراساتٍ تسلِّط الضوء على خفايا نكبةٍ ألمَّتْ بشعبٍ لا ذنب

البيت قوقعةٌ مُستحبَّة، ألجأ إليها سعيًا وراء عزلةٍ خاليةٍ من كلِّ معاني التأمُّل والإنجاز

لم يملَّ بعد من الاستمرار في عرض ذاكرته داخل هذا الدفتر. دفترٌ قد يستحيل تذكرة عبورٍ إلى الراحة والنسيان، أو قبرًا ورقيًّا يواري فيه حاضره واندثار مستقبلٍ عاقرٍ لن يلد له بارقة أملٍ وحياة،

«الوطن هو أن تسقط في الهاوية، تشعر بأنَّك جزءٌ من كلّ، وتموت لأنَّه مات».‏

ويحكَ يا رجل! أتلقيني في وجه الأعداء الذين لم يكن لهم وجهٌ حين كنتُ أواجههم في حروب ومناوشات وطننا الغالي أرض إسرائيل، وتغضب عليَّ لأنَّني تعلَّمتُ لغتهم وصرتُ ألمح وجوهًا لهم؟! ويحك! كيف جنَّبتني الحديث معهم سوى من خلال الرصاص

جميع الأبطال الخارقين خُلقوا على أيدي اليهود، منذ شمشون البطل الخارق، وصولاً إلى سوبر مان وباتمان وسبايدر مان وكابتن أميركا وإكس منْ. جميعهم شخصيَّاتٌ ابتُكِرَتْ لتعويض الذين طُهِّروا وحُرقوا على يد مخيِّلة سوبر مان آخر].‏

‏لأُجيبها، أُجيب هداس في سرِّي، بأنَّ الكتابة بضمير الغائب هي الأمل بعودة ضميرٍ غائب. فهل أنا بلا ضمير؟