اقتباسات من كتاب مذكرات مجدي يعقوب : جراح خارج السرب

ولمَّا سُئلت عن الجراحة قالت للمشاهدين: "إنه لخزي حقيقي، لكننا لا نستطيع أن نتجاوز القواعد في حالة جرَّاح دون غيره. هي خسارة، لكننا سوف نرى الكثير من الجرَّاحين الشبان الرائعين يلتحقون بالصندوق. لا بُدَّ من وجود قواعد، حتى لا يقع جرَّاح في خطأ يوعَز إلى كبر السن".

لكنني في الوقت الراهن لا أشعر بذلك. أعتقد أنه يجب أن توجد إرشادات، لكن لعلَّ الأنظمة حين تكون شديدة الصرامة لا تكون بوجه عام جيِّدة للغاية". ثم أضاف قائلًا: "لا أعتقد أن العمر هو الأمر الأهم، لأنه ـ من حيث الخبرة ـ يمثِّل ميزة".

على شاشة التلفزيون، تابعت قناة ديسكفري الأسبوع الأخير ليعقوب في عمله جرَّاحًا في هيئة الصحَّة الوطنية وروَّجت البرنامج بإعلان في الصحافة الوطنية، فعلى صورة لافتة لوجه يعقوب من وراء قناع الجراحة كُتب في الإعلان أن "هذا الرجل لمس من القلوب أكثر ممَّا لمس أيُّ شخص غيره، حرفيًّا".

رفض التقاعد

‫ ربَّما يكون مجدي يعقوب قد بلغ ذروة قواه ـ بحلول القرن الحالي ـ ومن المؤكَّد أنه لم يتقبَّل التقاعد القسري من وحدتي القلب في هيرفيلد وبرومبتون. في أكثر قليلًا من ثلاثين سنة، كان قد أحال مستشفى قرويًّا يُجري حفنة من عمليات القلب المفتوح في الشهر إلى أحد المراكز العظمى للزراعات في العالم. ولم يكن الجميع في ما بدا يقدِّرون منجزاته.

"لقد بِتُّ أفهم أنه أكبر كثيرًا من عضو ينقبض. إنه نتيجة نظام شديد التعقيد من الأنسجة والخلايا والجزيئات وقد بلغ التناسق بينها حدَّ الكمال، وأردت أن أعرف المزيد عن الطريقة التي يعمل

"لقد كان من الأمور التي تعلَّمتها في لندن قيمة التهوين. إيَّاك والتهويل من قضيتك. تواضَع. في صغري، كان أساتذتي يشجعونني على الظن بأنني الأفضل، ويقولون: إنك ذكي، فبدأت أعتقد بذلك. كنت طموحًا، لكني أتصور أنني صرت لا أخلو من غطرسة. تغيَّر ذلك حينما جئت إلى بريطانيا. تبيَّن بوضوح أنني لست الأفضل، كان كثيرون أفضل مني، فبدأت من القاع من جديد.

"أعتقد أنني كنت على علم بأنه يبحث عن موارد إضافية للمستشفى أو لتطوير قسمه، وهو مشكور على هذا. وفي بعض الأحيان كانت توجد قوى ما تعارض ذلك، فلم يكن يسهل عليه دومًا المضي في طريقه. ولكن المرء لا يملك إلا احترام هذه العزيمة والإعجاب بها. أصحاب هذا العزم هم الذين يغيِّرون العالم".

"التمويل كان يمثِّل مشكلة ضخمة. كان يمكن الحصول على بعض المال من المنح، لكن كان عليه أن يحصل على الغالبية بالذهاب والتوسل إلى مَن يعرف أنهم أثرياء ومعجبون به. كان يطلب المال من الناس بلا حرج، وأغلبنا كان يمنعهم الحياء من ذلك".

وترك في طلبته أثرًا بالطريقة التي كان يدير بها غرفة عملياته. فقد كان في ذلك -على حدِّ قول الحمامصي- "فنَّانًا خالصًا. في غاية الهدوء والدقَّة، ينضح بالثقة الخالصة، ولا يستاء مطلقًا أو يرفع صوته أو ينال منه الإحباط. وتشعر دائمًا بأنه مسيطر".

فقد قال سومرفيل في رواية يعقوب: "إن ميزتك يا مجدي هي أن لديك خيالًا ثلاثي الأبعاد لكل حالة تتعلق بالقلب. وهذا يعجبني".

لحظة احمرار قلب المتبرِّع وبدء النبض… أحسب بشدَّة أنني كنت أعلم بأنها لحظة تاريخية وفيها لمسة خيالية من الهدوء النسبي الذي سيطر على غرفة العمليات".

في الحقيقة، بدا كمَن مسَّه قدر من الجنون بعد الزراعة، لكنه كان يعمل بمنتهى الجدية، وكان مبتكرًا أصيلًا. وكان رجلًا عاطفيًّا يعتني عناية كبيرة بمرضاه. وإنني أُكنُّ احترامًا كبيرًا لكريس".

كتب يعقوب أن "القلب منذ الأزل آسرٌ للبشر، ومثيرٌ لهم، ومصدر وحي وإلهام، وللقلب وجوه كثيرة تثير المشاعر المحتدمة، فمنها الجسدي، ومنها العاطفي أو الشعري. وهو بوجوده في مركز الأشياء، يمتلك قوى استثنائية يؤثر بها على الأفراد والمجتمعات والأمم وما هو أكثر. وفي ثنايا ذلك، تراه في هدوء، وكفاءة، ودونما كلل، يقيم الحياة.

لن تحقِّق النجاح أبدًا. لقد أجرينا كل جراحات القلب ذات القيمة، ولم يتبقَّ شيء لاكتشافه، وقدرتك الذهنية على التساؤل سوف تضيع بددًا. طلب منِّي أن أبحث عن تخصُّص مختلف. شكرت له نصيحته، ولكني قلت إنني مصرٌّ على مواصلة مسيرتي المهنية التي اخترتها.

قال يعقوب: "لقد تعلمت أن الجراحة في حقيقتها حالة ذهنية". فلم يرفع صوته أبدًا في أحد، وكان يطلب من زملائه ألا يتكلموا، ويُشغِّل موسيقى كلاسيكية، وكان يحاول دائمًا أن يكون منهجيًّا وحاسمً

"بروك قال لنا إننا بحاجة إلى أن نكون أطباء قلب أفضل من أطباء القلب لسبب بسيط، هو أن أحدنا حينما يكون في غرفة العمليات، فإنه يكون فيها وحده منفردًا بقلب.

وتعريفي الخاص للنجاح هو أن تحاول أن تعثر بدقة على ما تريده من حياتك، ثم تشرع في تحقيقه بدأب وجلَد. والنجاح نسبي ولا تعريف له إلا تعريف كل فرد له".

في عالم منحاز ضدَّ كبار السن، يمكن القول إنه حقَّق في السنوات العشرين التالية لتقاعده القسري قدر ما حقَّق في السنوات الأربعين السابقة.

لم يسألني عن حالي أو يقُل لي إن الجراحة مضت على خير. كان سؤاله الأول لي: ماذا تريد أن تفعل على المستوى المهني يا حمود؟ ما زلت أتذكر، كنت مغمضًا حينما سمعت سؤاله فقلت: جراحة القلب".

لو أن السياسة تقوم على الإنصات، فمجدي منصت. ولو أنها تقوم على الإقناع، فمهارات الإقناع لدى مجدي عظيمة. ولو أنها تقوم على الحكمة، فمجدي عنده الحكمة وافرة. والطب والجراحة سياسة، وبخاصَّة مع ارتقاء مكانة مَن يمارسهما، فثمَّة دائمًا المتأهبون للقفز على مكانك.