لماذا نُحب مجدي يعقوب؟
طالبة تقرأ درس قراءة في المرحلة الإبتدائية عرفت فيها مجدي يعقوب واعجبت به كما اعجبت قبله بـ صاحبي نوبل محفوظ وزويل, لكن هنا الوضع مختلف رغم أنها تُحب قراءة الأدب لكن الكلمات المكتوبة عن يعقوب أسرتها وأثارت اهتمامها.
بعد سنوات ستكون هذه الطالبة مُدرسة تقرأ للطلاب درس مجدي يعقوب وتشرح لهم بحب وتُضيف لهم المعلومات بل وتدخل إلي الشبكة العنكبوتية لتُري للطلاب ما لم يقلُه الدرس البسيط في الكتاب عن يعقوب, وتأثر كثيراً من الطلاب بيعقوب ومنهم اسماعيل الحمامصي الذي تتلمذ بعد ذلك علي يد يعقوب في هيرفيلد.
في الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية " مذكرات مجدي يعقوب جراح خارج السرب" اُفتتح الكتاب بـ أحد المواقف لـ يعقوب في إحدي عملياته الصعبه والتي كان يقاتل فيها الوقت حرفياً والضباب يخيم علي بلايموث والمريض ينتظر والوقت يجري سريعاً " أربع ساعات فقط لبدء عملية الزراعة, قبل أن يفقد قلب المتبرع صلاحيته للاستعمال ويعرف هذا بوقت الإقفار" يقاتل الوقت لينقذ مريض لنفهم كم المعاناة التي تقع علي طبيب بدرجة انسان يعشق الحياة ويحاول أن يمنحها للأخرين.
بـ لغة عربية فصيحة وسلسة عرض الكتاب بشكل بسيط حياة يعقوب في مصر والأسباب التي وجهته لدراسة الطب المتعلقة بوفاة عمته يوجين بروماتيزم القلب الناجم عن الحمي الروماتيزمية المتوطنة آنذاك في مصر ولم يكن لها علاج, واستخفاف والده بقوله استخف بكلامه قائلاً: لا يمكن أن تفعل ذلك وأنت علي ما أنت عليه من فوضي. لا يمكن أن تصبح جراح قلب. تركيبتك المزاجية لا تلائم ذلك" في صراحة أب يعرف قدرات ولده بالرغم من أن يعقوب كان معجب بوالده الجراح, فقرر أن يثبت لوالده خطأه قائلاً: ابتداءً من تلك اللحظة ازددت عزماً علي عزم" وتغيرت حياة يعقوب من تلك اللحظة حتي وصل إلي تكريم من الرئيس جمال عبد الناصر ضمن العشر الأوئل المتقدمين لكلية الطب.
*بعيداً عن السياسة
أظهر الكتاب تجنب يعقوب للسياسة بشكل كبير وتركيزه فقط في دراسة الطب والسعي نحو التميز حتي مع اعتراضه علي مجانية التعليم التي تبناها عبد الناصر فقد كان رأيه أن التعليم في مصر كان رائعاً قبل مجانيته فقد كانو ستين طالباً في كلية الطب وبعدما قال ناصر ان التعليم مجاني اصبح الطلاب يتدلون من السقف يحاولون أن يستمعو للمحاضرون فلم يبق للجودة والتميز من مجال, وقال يعقوب لاحقاً أن هذا سبب من أسباب تركه لمصر وقتها وليس كما قيل أنه هرب منها مضطهدًا دينيًا وأن الأديب علاء الأسواني أخد شخصية كرم دوس في روايته شيكاجو من شخصية يعقوب لكن الأثنان انكرا هذا, وظل يعقوب يردد أن كلية الطب في مصر كان مصدر حماس له وتأثر جدا بأساتذته فيها مثل جليب فاسيليفيتش فون آنريب استاذ علم الوظائف الروسي وصاحب ما يعرف باسم أثر آنريب, والبروفيسير علي حسن استاذ الكيمياء الحيوية الذي ترك أثراً ملموسا علي يعقوب.ولم يتوقع يعقوب الذي تلقي جائزة من الرئيس جمال عبد الناصر لتفوقه في الجامعة أن يصبح مؤثراً مثله يوماً ما في مصر والعالم.
*الكثير من المرح مع الطبيب الساحر
من النقاط المهمة التي أبرزها الكتاب عن يعقوب أنه بالرغم من انخراطه في دراسة الطب بشغف لم ينس نفسه فكان يحضر حفلات موسيقية في دار الأوبرا الخديوية ويمارس السباحة والتنس بل ويسافر إلي اوروبا مع اخيه جيمي قائلاً: لقد كنا نَجدُ في العمل, ونحظي بالكثير من المرح, عكس طلاب الطب الأن ينغمسون وسط كتب ومراجع الطب ولا شيء غيرها لدرجة أنه قد لا تري صديقك طالب الطب الا بعد عشر سنوات من الثانوية العامة!
كان يعقوب يهتم بـ مرضاه وحالتهم النفسية بعد العمليات ولا يترك المريض بعد العملية دون أن يطمئن عليه ويري استقراره بنفسه
وكان يسأل طلابه ومعاونيه دائما عن المرضي ومعدلاتهم الصحية في آي وقت لذا كان طلابه دائما محاوطين أسرة المرضى لمتابعتهم.
من أجمل النقاط التي اعجبتني في الكتاب تلك المقارنة بين النظام الأمريكي والبريطاني في العلاج وانحياز يعقوب لهيئة الصحة الوطنية قائلاً: في حالة اصابتك بجرح, في حالة مرض ابنك أو ابنتك أو حفيدك, تسارع طالباً العون, فيقول لك شخص من هيئة الصحة الوطنية: هيا هيا ولا يقول لك أرني بطاقتك الإئتمانية"
ومن اجمل المواقف التي ورد ذكرها في المذكرات ان جراح إيطالي كان قد أحدث خطأ كارثياً طبياً واستدعوا يعقوب وكان المريض قد قطع شريانه الأورطي عن طريق الخطأ فدخل يعقوب وأخذ مكان الطبيب وبيده اليسرى اغلق موضع النزيف وباليمنى خاط كل مواضع النزف وحين استقرت حالة المريض لم يزد عن قول لقد كنت شقياً للغاية اليوم يا بابلو_ فلم يثور علي الطبيب ولم يلومه بل تعامل معه بحنان, وهكذا كانت طريقة تعامل يعقوب مع طلابه دائماً اذا اخطأو أما إذا نجحوا فكان ينبهر بنجاحهم كأنه نجاحه هو.
*يعقوب والإعلام
من النقاط الهامة التي أبرزها الكتاب علاقة يعقوب بالإعلام فقد كان يكرهه جداً لأنهم يبالغون في رد الفعل وإثارة عواطف الشعب ضد عمل الأطباء بدون فهم خاصةً مع عمليات زراعة القلب أو تجارب الحيوانات, ثم غير رأيه مع مرور الوقت بل وتعاون مع الإعلام في توعية الناس بأمراض القلب واستقطاب تبرعاتهم وتوثيق بعض عملياته في أفلام وثائقية.
وأثار الكتاب نقطة أخري مهمة وهي البيروقراطية البريطانية والتي تستدعي التوقف عن الجراحة في سن الخامسة والستين حتي وإن كان الطبيب في حالة جيدة جدا لإجراء العمليات متعللين بكبر السن والذي لا يكون في صالح المريض رغم خبرة الطبيب العمرية.
*هيرفيلد موطن زراعة القلب
علي مداد الصفحات التي تقارب الأربعمائة صفحة أبحرنا مع يعقوب الطبيب المتحمس الذي يريد أن ينهل من العلم طوال الوقت لدرجة أنه تقدم لـ ثلاث زمالات دفعة واحدة كأنه أراد أن يثبت لنفسه شيئاً ما لدرجة أنني
كنت ألهث وأنا أقرأ عن عمليات زراعة القلب أو الدومينو ولوقت كثير كنت أفكر أن جميع مسلسلات الأطباء أُخذت من فريق يعقوب في هيرفيلد.
من الشخصيات التي افتتن بها يعقوب وتأثر بها جدا السير راسل بروك الذي كان جراحاً رائدا في جراحة يطلق عليها توسيع الصمام الرؤي وبرغم ان بروك كان شخصية تثير الخوف في نفس الاطباء الصغار إلا أن يعقوب كان يري فيه شخص ذو تفكير واضح للغاية, ايضا الجراح الجنوب إفريقي دونالد روس, والذي كان مثل يعقوب لم يدرس في كلية أو جامعة مرموقة ولكن اصبحو زميلين وصديقين مقربين.
من مميزات الكتاب أنه عرض حياة يعقوب الحافلة بعمليات القلب المتنوعة الناجحة والفاشلة أيضاً, والمعاناة التي يلاقيها طبيب متحمس يحاول منح الحياة لمن ضاقت بهم السبل,عمل يعقوب مع فريق دائماً كان يتحدث عنه بفخر ولا ينسب النجاح لنفسه بل للفريق كله قائلاً نحن وليس أنا. وأنه لم يفرق أبداً بين مريض بشكل ديني أوعرقي بل كان ينقذ أرواح الجميع ويري أن الجميع يستحق فرصة للحياة.
الفصل الذي تحدث عن أميرة القلوب ديانا اعجبني جداً خاصة مع وصف يعقوب لها بأنها لم تكن تلك الفتاة الشقراء الجميلة وحسب كما وصفتها الصحف بل كانت شخصية ذكية ولم تكن سهلة الإنخداع, محبة للعلم والتعلم ومتلهفة علي الإشتراك في العمل, ولو كانت اكملت تعليمها وعاشت حياة غير التي عاشتها لأصبحت عالمة. دعمت ديانا يعقوب ومرضي هيرفيلد وشاركت في جمع التبرعات لـ سلسلة الأمل مع يعقوب, ودعمها للمرضي معنوياً بزيارتها لهم والتخفيف عنهم.
*سيرة ذاتية أم مهنية؟
الكتاب شرح تفاصيل علمية ومصطلحات طبية بشكل متخصص إلي حد كبير وغير مناسب أو مفهوم لجميع الأشخاص الذين يقرأون الكتاب, فالغالب الناس تفهم أن هذا الشخص مصاب بمرض القلب أو السكتة القلبية وحسب وليس الحرية السريرية أو الجراحة المبتكرة أو التجريبية التحويل الأذيني, ترقيع الشريان التاجي وأسماء عقاقير ...الخ
الكتاب لم يتكلم عن سيرة يعقوب الذاتية بل تتبع سيرة يعقوب المهنية فلم يتطرق إلي أسرة يعقوب في القاهرة الا قليلاً جداً, حتي موت ابيه وأخيه جيمي جاء في سطور قليلة, ولم يتطرق إلي عائلته في بريطانيا إلا بشكل بسيط موضحاً تأثر حياة يعقوب العائلية بشكل كبير خاصةً علي أولاده. فلم تكن حياة يعقوب وردية حتي بعد الشهرة, ولم يكن أبناؤه استثناء, حتي مع عودته لمصر كانت بعد موت زوجتة وتأسيس مركز مجدي يعقوب للقلب في اسوان التي أُفتتن بها وهو صغير.
توقعت أرشيف صور كبير وليس هذا العدد القليل من الصور لشخصية بحجم يعقوب, ولم يكن هناك أرشيف لمقالات أو أبحاث أو هوامش لما كتب عن يعقوب في الصحف.
*الكثير من القصص الملهمة
امتلئ الكتاب بالقصص عن مرضي يعقوب والعمليات التي أجريت لهم من مشاهير مثل إريك موركام وعمر الشريف وجاوري أو أناس عاديين فقراء وهم الأكثرية التي اهتم بهم يعقوب أمثال فكتوريا وهايلي وهاناه. وأوضح الكتاب الجانب الإنساني في يعقوب والذي جعله دائماً أميراً للقلوب, حياة حافلة اعطي ومازال يعطي الأمل للكثيرين، لهذا نُحب مجدي يعقوب.
رحاب صالح 😁