اقتباسات من كتاب نقد القوة : رسائل فلسفية إلى الضعفاء

الكثير مما يحدث في عقل الإنسان يكون أكثر إيلامًا مما يحدث في الواقع نفسه،

غير أن الدافع الأول إلى الانتحار لا يتعلق باليأس، بل بخيبة الأمل. ما يعني أن البذرة الأولى للانتحار مبثوثة في الأمل نفسه؛ أما اليأس، حين لا يتأخر، فإنه يحررنا من الأمل، وبالتالي من خيبة الأمل، وحينها يمكن لليأس أن ينحول إلى قوة تدفعنا للبدء من جديد.

المحن تقتلنا حين نستمر في العيش فيها، بينما تقوّينا عندما نجتازها..

بناءً عليه بوسعي أن أقترح عليك معيارًا أساسيًّا لقياس جودة الخطاب الديني:

‫ هل ذلك الخطاب يمنحك شجاعة الوجود ومن ثم سكينة الروح، أم أنه يثير في نفسك الرّعب الوجودي، ومن ثم التوتر الانفعالي؟

فإن التاريخ الفعلي يصنعه الذين يواصلون العيش بشجاعة في كل الظروف، ويمتصون الضربات، ويتكيّفون مع شراسة القدر والبشر بعنفوان إنساني، ويشقون في النهاية طريق المجد للمغلوبين، شبرًا شبرًا، فلا الصباح يأتي دفعة واحدة ولا المساء.

هناك كثير من الشجاعة في أن تستمتع بأكثر الأشياء بساطة، أن تندهش بأكثر الأشياء بداهة، أن تفرح فرحًا كبيرًا بأصغر الأشياء التي ترقص حولك. على أن الأشياء كلها ترقص على سبيل المناورة لأجل البقاء، لكنك قليلًا ما ترى.

حيث لا تنتظر أن تأتي الأشياء وفق توقّعات تنتظرها، ولا تحاول أن تستجيب لتوقعات الآخرين، ولا تحاول أن تبسُط سلطانك على ما لا سلطان لك عليه، بل تساير الاتجاه العام لقدَرك بكل ليونة وذكاء، وتعوِّل على هامش المناورة الذي يتيحه لك ذكاؤك، وهذا الأخير لا تفرّط فيه لأنه إن لم يقدر على رد القدَر السيئ على الدوام، فهو قادر في كل الأحوال على تلطيفه والتّخفيف من ضراوته.

إذا كان الهدف الأسمى للتربية هو امتلاك شجاعة الوجود عن طريق امتلاك المعرفة، الجرأة في طرح السؤال، تفعيل النقد، ومهارة التفكير، فهنا يكمن خلل المنظومات التربوية القائمة على الطاعة والتخويف.

نولد خائفين في وجود مخيف بالفعل، نولد خائفين من كل شيء وأي شيء طالما لا شيء مألوف لدينا، ومن ثم نحتاج إلى مسار طويل لنألف الأشياء المحيطة بنا حتى يتراجع الخوف رويدًا رويدًا، لكن الأثر يبقى كامنًا في اللاوعي

الخوف معطى غريزي، والشجاعة بناء عقلي.

الشجاعة ارتقاء بالذات من رد الفعل الغريزي إلى رد الفعل العقلاني عن طريق التأمل على أن التأمل ليس ترفًا نخبويًا كما يتراءى للبعض، بل تجربة اعتيادية يمارسها معظم الناس خلال فترات متقطعة من مشيهم، قعودهم، أو استرخائهم، وليس مطلوبًا سوى

الشجاعة فضيلة تحدد أفعالها بنفسها. فليس الكذب هو الذي يتطلب الشجاعة بل الصدق في الأقوال، ليست الخيانة هي التي تتطلب الشجاعة بل حفظ الأمانات، ليس الغدر هو الذي يتطلب الشجاعة بل جرأة المواجهة حين تكون المواجهة واجبة وممكنة.

توقّف عن الأسى والسخط والتذمر، فذلك مجرد جبن مُغلّف بالوهم ‫ ولا تنس أنّ الإبحار الجيد مهارة النّاجين من العواصف والأعاصير ‫ لا تنس أنّ العيش الجيد مهارة النّاجين من المآسي ‫ لا تنس هذا القول في آخر القول: التفلسف

لقد خُلقتَ لأجل أن تواجه تحديات جديدة كل يوم، لكنك ورثتَ الخوف من خوف والديك عليك ماذا تريد الآن؟ هل تريد حبًّا آمنًا؟ هل تريد عملًا آمنًا؟ هل تريد سفرًا آمنا؟ هل تريد حياة آمنة؟ معنى ذلك أنك لا تريد

لكن خياري كان على الدوام ألّا أفقد تركيزي على الهدف، وكان لسان حالي دائمًا يقول: الطعنة التي لا تقتلني لا ألتفت إليها.

لذلك لم يكن المنفيُّون إلى الجُزر البعيدة يخسرون شيئًا غير سلطة الآخرين عليهم، فكان بوسعهم اكتشاف الحياة الأصيلة في أعمق وأصدق معانيها.

الأشياء التي تمسك بها بشدّة سرعان ما تتسرّب من قبضتك، الأشخاص الذين تتعلّق بهم بحدّة سرعان ما يؤلمون قبضتك، والأفكار التي تتمسّك بها بتشدُّد سرعان ما تكبّل يديك أكثر من ذلك، لديك دافع سريّ إلى التمسُّك والتعلُّق بكل ما يؤذيك

الأشياء التي تمسك بها بشدّة سرعان ما تتسرّب من قبضتك، الأشخاص الذين تتعلّق بهم بحدّة سرعان ما يؤلمون قبضتك، والأفكار التي تتمسّك بها بتشدُّد سرعان ما تكبّل يديك أكثر من ذلك، لديك دافع سريّ إلى التمسُّك والتعلُّق بكل ما يؤذيك

ليست الشجاعة هي أن تقول كذا أو كذا، فقد لا يخلو الأمر من رد فعل غريزي، بل الشجاعة هي أن تدرك بأن ما ستقوله هو عبارة عن قرار يفرض عليك التزامات لأمد قد يطول. أما الكلام الذي لا يلزمك بأي شيء فهو مجرد ظاهرة صوتية مهما علا أو غلا.

مقصود القول، إذا كنت ستبكي طوال الوقت، تأسى، تأسف، تتحسر، وتندم، على الخسارة، فمعنى ذلك أنك تتشبث بالخسارة كخيار نهائي وكنهاية للطريق، ناسيًا أن الخسارة هي التي ترسم الطريق.

‫ فافعل هكذا:

‫ التفت إلى خساراتك وقل لها بعرفان وعنفوان:

‫ شكرًا لك يا خساراتي، لقد كنتُ أنا العابر وكنتِ أنتِ الطريق.

‫ لا تخف ولا تندم ولا تخجل من خساراتك إذا!