لا يلزم ابدا ان تكون الشرير في رواية احدهم حتى تكون مؤذيا... قد تكون طيبا جدا.. لكن... الصمت والسلبية والتواكل بان الايام تصلح ذاتها وان الزمان يلعق جراحه بنفسه فتبرأ... حينها تحدث الفاجعة الكبرى التي نضجت على مهل في قدر ضغط مكتوم...
نور عبد المجيد الكاتبة الاجتماعية الاوقع في ما قرأت... لم تفشل يوما في سكب دموعي باسلوبها الرائع في سرد احداث حقيقية جدا لدرجة انك يمكن ان ترى قصصا مشابهة لقصصها في واقعك وواقع معارفك حولك... قصص مأساوية كنت هربت من قراءتها لعدة اعوام حتى لا يتعب قلبي.. لكني عدت لها الآن مع هذه الرواية المؤلمة..
كان بيتا مقسما ككل البيوت المصرية او العربية... جزء لامع انيق نظيف فاخر لضيوف قد لا يأتون اعواما ومحرم على اهل البيت... وجزء خلفي نعيش فيه مهلهل مبعثر نحشر فيه اجسادنا وارواحنا وحياتنا... ( حمقى حين جعلنا الاخرين باجمل مواضع بيوتنا يستأثرون وباجمل ملامحنا يقابلون)
هذا هو جوهر القصة التي تحدث كل يوم في اغلب البيوت... تملك البيوت... تملك الابناء.. ومجموعة من التقاليد البالية التي مازال مجتمعنا يتمسك بها... سطحية التعليم.. التغافل عن اخطاء تنخر البيوت نخرا بينما تظل واجهتها تسر الناظرين... عندما تقول لا لتلك الاخطاء وتلك التقاليد فانت عاق تستحق الطرد من البيت الانيق.. بينما انت نجوت من نخر الجزء الخلفي...
الرواية عبارة عن رسالة طويلة الى قاض من محكوم عليه بالموت... يحكي قصته.. وكيف ان ( بعض العدل ظلم بين) وان كما قال الراوي للقاضي ( حكمك عادل واعدامي حق وان كان خلفهما قصة فالعدل فيها براءتي)
الانسان... ذلك الكائن المليء بالتناقضات.. الذي ألهمه خالقه فجوره قبل تقواه... الكائن العصي على الفهم حتى من نفسه... نور عبد المجيد تقلب هذه التناقضات في شخصياتها فلا تستطيع ان تحب شخصية او ان تكره شخصية ف ( وحده الله يعلم لماذا وتحت اي ضغط ولدت معاصينا وجرائمنا وأظنه على ذلك يحاسبنا ولهذا دوما تشملنا رحمته... يحاسبنا على قدراتنا لا على افعالنا)
رواية مليئة بالمشاعر الي قد تنغز قلبك... ومليئة باجراس الانذار على مفاهيم بالية ومجتمع مسوس من الداخل ومقارنته بمجتمع غربي نتهمه بالخطأ والخطأ يلبسنا لبسا... رواية تثير تساؤلات جدلية : هل الحق هو دائما العدل؟ هل تموت اخطاؤنا معنا ام ان عقابها يورث فتصيب البيت واهله لعنة ذاك الخطأ ؟ هل نمتلك ابناءنا كما نمتلك بيوتنا ام ان الابناء والبيوت هم من يمتلكونا فنكون لهم عبيدا؟ هل نمتلك الحق في رسم حياة ابنائنا والقرار نيابة عنهم لنحميهم ام نتركهم للحياة ترسم خطاهم دون رقيب؟ هل يحق لنا ان نقول لا لآبائنا ومتى نقولها؟ هل تمردنا على احلامهم التي رسموها لنا عقوق؟ هل التعليم الذي نتلقاه في مدارسنا قادر ان يخلق منا اشخاصا باستطاعتها خوض غمار الحياة بكل جمالها وبؤسها؟ هل يحق لنا ان نحرم انفسنا او غيرنا من ممارسة ابسط حقوقهم البشرية باسم العيب والتقاليد؟ هل كل القصص قابلة لتطبيق القانون والشرع من وجهة نظر قاض او شيخ؟ ام ان هناك عينا ثالثة غير القانون والشرع تسمى الحكمة؟
كلمات ستكتشف ان لها ابعادا اخرى لم تكن تدركها : الحق.. العدل.. القتل.. الشرف.. الميراث... العقوق.. الاسرة.. البيت... الابناء
رواية مؤلمة... صادمة.. تكاد تتوقع نهايتها قبل ان تصل لآخرها.. لكنك تستمر في قراءة كل هذه المشاعر وعندك امل ان تتغير النهاية... فهل تصدق توقعاتك؟