كان لابد لي من التقاط أنفاسي المتسارعة والسيطرة على دقات قلبي المتزايدة بعدما انتهيت من ذلك العمل الذي أسر لُبي منذ الصفحة الأولى وحتى كلمة الختام.
شعرت وأنا أقرأ بأنني الوراق النازح من الصعيد، الهارب من أصوله، المتخفي في القاهرة، الذي تبسم له القدر رغم آلامه ومصائبه وكوارثه، وانفرجت طاقة الأمل أمامه عندما لجأ إليه ابن النفيس ليروي على مسامعه قصة حياته أو ما تيسر منها، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة على فراش المرض، لتتكشف أمامنا أواصر علاقة غير متوقعة بين الوراق التعيس والحكيم ابن النفيس، أساسها البحث عن المعنى.
وما بين قصة الوراق الذي تبعثرت حياته منذ الصغر وانقطعت حبات شبابه على مرأى عينيه، وقصة ابن النفيس الذي ذاق مرارة الفقد صغيرًا واكتوى بنار الفراق كبيرًا، ما بين هذا وذاك كانت للأحداث السياسية حضورها الثقيل، كتأثير موسيقى تصويرية متلاحقة، لا يمكن فصلها عن العمل الأساسي، وتجعلك في الوقت نفسه منجذبًا إلى كل شاردة وواردة تحدث.
غفر الله لـ ابن النفيس، الباقي في نفوس مريديه ومن تتلمذ على كتبه، ولـ الوراق إن كان شخصًا من لحم ودم عاش بين الناس أو محض خيال سكن الصفحات، وأمد في عمر الذائقة الأدبية للكاتب.