*لم أكن اقرأ هذه الرواية الفترة الماضية، كنت أعيشها..
بدأت في الاستماع لها في الإصدار الصوتي ثم بدأت الاطلاع عليها إلكترونيًا، فأصبح صداها يتردد في أذني وأرى كلماتها تتذبذب أمام عيني طوال اليوم.
*تبدأ الرواية بمشهد لدميانة تحكيه أمها أو هكذا تعتقد، ثم تنتقل في الجزء التالي مباشرة لتعرف من هي أمها وكيف أصبحت أمها من الأصل، حكاية وسن التي يبدأ من خلالها وخلال حكايتها والأشخاص في حياتها يسرد عليك الكاتب مرحلة فارقة في تاريخ مصر، مرحلة مليئة بالصراعات والانقلابات والاغتيالات والخطط والتبديلات التي غيرت التاريخ، تحدثت الرواية عن فترة حكم الفاطميين في مصر ولكن ليس من خلال أسرة مسلمة ولكن من خلال أسرة مسحية تعيش في ذلك الوقت، وبدأ في تتبع مجموعة من الأمراء ما بين السنة والشيعة، وحتى في المسيحية تنوع ما بين الأرثوذكسية والكاثوليكية وتتعرف على الملكانية وهي مذهب مسيحي بيزنطي ظهر في هذا الوقت.
*تتضافر حكاية وسن مع حكاية يوسف التي ستجد بينهم ربط بشكل ما والذي يبدأ من ورد والدة يوسف والتي تشبه إلى حد كبير وسن فتشعر وكأنها تستكمل مسيرتها بصورة ما، حتى وأن كان في تربية دميانة التي نتتبع عهدها الذي تكتشف في الأصل أنه عهد دول وأمراء وأشخاص كثيرين وليس عهدها وحدها أبدًا فتشعر وكأن الكاتب خدعك وترك تلك الطفلة الصغيرة تجر قدمك إلى الحكاية الحقيقية التي أراد سردها.
*من الشخصيات التي لم أفهم دوافعها مطلقًا ولم أستطيع أن أمنحها أي مبررات هي يوستينا، التي قررت فجأة أن تترك كل شيء وتذهب لتمنح نفسها لمستقبل وأشخاص لا تعلم عنهم شيء، وحينما لم تجد ما ترغبه بحثت عن يوسف ومنحته نفسها لتخرج من الخطيئة بدميانة وتترك أبنها الحسين، وفي النهاية تركت دميانة أيضًا رغمًا عنها، لم أشعر بالتعاطف معها حتى وأن أحبت يوسف بالفعل فكيف تترك أبنها وتفضل عليه ابنتها من يوسف فقط الأمومة لا تفضيل فيها.
*شخصية يوسف شعرت في الكثير من الأحيان بالرمزية فيها بصورة واضحة، وفي أحيان أخرى وجدت أنه حلقة الوصل سواء ما بين الأديان التي ذكرت في الرواية خاصة مع ذكر ورد ويوستينا ودميانة والحسين وكذلك في الربط ما بين تاريخ الدولة بالكامل والخليفة والوزير وغيرهم، وفكرة أنه كان الخلاص لوسن على الرغم من أنه كان هو من يريد الخلاص ولم يجده.
*بالرغم من أن الروايات ذات الطابع التاريخي لا يمكن الأخذ باعتبارها مصدر للمعلومات التاريخية ولكن في هذه الرواية جاءت كل المعلومات فيها صحيحة وفقًا للكثير من كتب التاريخ التي وثقت تلك الفترة، فلا يوجد فيها أي جزء له علاقة بالتاريخ به خطأ أو تمت كتابته من أجل سياق الرواية فقط ولكنها أحداث حقيقية موثقة.
*مصر في هذه الرواية كما كانت دائمًا رمز لمزج الكثير من الأفكار والاختلافات وتعدد الهويات والأديان، مصر كانت الملجأ للجميع من أقصى شمالها إلى أقصى يمينها، فرواية عهد دميانة تقدم هذه الفكرة في الأصل أو يمكننا القول إنها رواية معبرة عن فكرة الهوية بشكل أساسي وبجميع صورها.
*بما أنني استمعت للإصدار الصوتي فيجب التعليق على الأداء الصوتي ومنحه جزء من المراجعة بكل تأكيد، فيمكنني القول أنه تجربة تستحق الاستماع لها لأنها اضافت إلى الرواية عمق وقوة أكثر، وخاصة أن من قام بإداء الأصوات فيها بعض الفنانين ذوي الأصوات الرنانة مثل الفنان جمال عبد الناصر والفنان الراحل أشرف عبد الغفور، مما زاد من ثقل ما أسمع خاصة مع احداث الرواية الثرية والرائعة لذا أنصح بتجربتها جدًا في حالة قراءة الرواية.
*الرواية كانت سردًا وحوارًا بالفصحى البليغة والتي جعلتني استمتعت بها وبموضوعها بشكل بالغ.
*اقتباسات:
"يرى الناقص اكتماله في قهر من عطف عليه"
"قول الحق يُحرر الإنسان، ويُحرر خيالَ الناس أيضًا، فيصنعون الأمجاد لمن ينطق به حين تخرس الألسنة، ولكنهم يصنعونها عادةً بعد أن يصمت إلى الأبَد!"
"عجيبٌ أمر البشر حينما تبتلعهم عثرات الماضي، وكأنها هوةٌ سحيقةٌ ما لها من قرار، فيأبون إلا أن يكبلوا أقدامهم فيها، وكأنما لا يرجون منها فِكاكًا."
"- اليقين يأتي من الإدراك، والإدراك متغيّرٌ وليس ثابتًا! فما أُدركه أنا غيرُ ما تدركينه أنتِ، فكيف يكون اليقين واحدًا لا يحتمل الخطأ؟"
"الحياة عبثٌ لا تستحق أن تُعاش، والإنسان في هذه الحياة كخيال الظل، فهل هناك أثرٌ لخيال؟ كل المستيقنين كَذبَةٌ، واليقين الوحيد في هذه الحياة أنه لا يقين"
"كوني مصريًّا يجعلني أنتمي إلى مائة مليون مصري
كوني عربيًّا يجعلني أنتمي إلى نصف مليار عربي
كوني مسلمًا يجعلني أنتمي إلى مليار ونصف مسلم
كوني إنسانًا يجعلني أنتمي إلى ثمانية مليارات من البشر"