لم يخطر ببالي أن القراءة يمكن أن تحِلَ في وقتٍ ما مكان الشعور، أن تكون القراءة مواسيةً عن ألمٍ ما، أو أن ينوب الأدب بشكلٍ ما عن العزاء في مُصابٍ أو بلاء كبير، لكن بيتر شتاينس أثبت بمغزاة عن القراءة أن ذلك ممكن وأنه يحدث.
بيتر شتاينس صحفي قبل أن يكون كاتباً، وقبل كل ذلك فهو قارئ نهِم لَهُ باع في بحور الأدب الغربي والهولندي، وقد عمل مديراً للمؤسسة الهولندية للآداب، كتب كثيراً من المقالات الفنية قبل أن يطرق بكتاباته عوالم الأدب، كانت حياته تسير بشكلٍ طبيعي حتي اصطدم بتشخيص الطبيب بعد بعض الفحوصات والأعراض بأنه مصاب " بالتصلب الجانبي الضموري " وهو مرض مُهلِك يُتلِف كُتل الإنسان العضلية ويُضعِف طاقته ويُسرّع وتيرة ما تبقي من عمره عبر سلسال متواصل من العذابات والآلام.
" وبدلاً من ترك المرض يشل قواة العقلية، فقد سمح لنفسه أن يتحداه، بحيث كشف الآن عن سعة اطلاعه الحقيقية، في فترة قصيرة من الوقت أعاد قراءة كتبة المفضله وتمكن من ربطها في اثنين وخمسين مقالاً في صحيفة إن ار سي هاندلسبلاد لتتوافق مع قسوة التصلب الجانبي الضموري ".
بعد تأكيد تشخيص إصابته بالمرض تتابعت عليه الأعراض وقلّصت من حركته وأداء أجهزتة الوظيفية فلم يصبح كل شيءٍ متاح كما السابق، ولكن أصبحت حركاته وحتي أنفاسهُ محسوبة خشية حدوث تأزم سريع يزيد الأمور سوءاً.
حينها قرر بيتر أن يذهب إلي رف قراءاته المُميزة السابقة ويعيد النظر فيها بتأمُل أكبر وبحالة أشد خصوصية مما كانت عليه القراءة السابقة.
تناول الكتاب الكثير من الأعمال العالمية الشعرية والروائية الكلاسيكية المعروفة والمجهولة، كُلها تحدث عنها الكاتب مُستشِفاً منها الحكمة والنظرة الثاقبة للأمور والمواساة، وبالنظر للحالة الصحية فإن الكاتب كان يُعيد القراءة ويدوّن ما ارتآه في قراءتة الحديثة بالتزامن مع التوثيق المستمر لحالته الصحية ورحلة مرضة.
هي ليست رحلة توثيقية في بحور الأدب بقدر ما هو إثبات ودليل عملي علي أن الأدب يصلح للمواساة وأنّ القراءة دائماً ذات مغزي مهما ظهر منها غير ذلك، وأن تلك العوالم التي نُطالعها بين ثنايا الكتب هي امتداد لقصتنا وفيها من أزمان أرواحنا.