أعجبني هذا الكتاب فعلاً وعلى غير العادة أجدني أستمتع بكل حكاية بل تثير لدي العديد من التساؤلات والرغبة في المعرفة. ان علم نفس الأعصاب يبدو لي موضوع مثير حقاً لأنه لم يتناول الحالات المرضية من ناحية علمية عصبية فحسب بل تناولها من ناحية سيكولوجية وعاطفية أضافت بعداً انسانياً نجح الدكتور أوليفر ساكس بالتعبير عنه بأسلوب سلس وغير متكلف لأنك تستطيع أن تشعر بمشاعره تجاه مرضاه تنساب بطريقة جميلة بين السطور.
كان يمكن أن أمنحه العلامة الكاملة لولا الترجمة السيئة للكتاب. بالعادة أتغاضى عن سوء الترجمة بل لا ألقي لها بالاً الا أنه هذه المرة أغضبتني جداً لدرجة أنني كنت أرى الأخطاء على طول قراءة الكتاب. ترجمات لم تكن في محلها تراكيب الجمل غير موفق وفي بعض الأحيان محاولة لترجمة بعض العبارات الطبية التي لم تكن لها أي صلة بالمفهوم المرضي أو العلمي!!
وجدتني في حكاية الرجل الذي حسب زوجته قبعة أنجرف بالتفكير وراء مثل هذه الحالات وأتساءل وأكتب وربما أضيف على هذه المراجعة مستقبلاً باذن الله ما أثارت بي باقي القصص من تساؤلات قد لا ترتبط بالمفهوم العلمي للمرض بل بالدلالات الرمزية لمثل هذه الحالات في واقع الحياة.
****
في قصته التي أخذ منها عنوان الكتاب يعاني الرجل الذي حسب زوجته قبعة واسمه الدكتور بي من حالة اختلال قي جزء دماغه الأيسر لينتهي به المطاف بحالة فقد او انفصال بصري عن الواقع بحيث يعجز عن رؤية المشهد ككل فلا يستطيع تمييز وجوه الناس ولا الأماكن ولكن لديه قدرة عجيبة على تجريد الأشياء الى أشكالها الأولية كالخطوط والمجسمات الأفلاطونية ليتخذها أساساً في تعرفه على الأشخاص بناءاً على ملامح أو تراكيب معينة وبنفس الوقت وهو أستاذ موسيقى ساعدته حاستي السمع والشم على اكمال حياته بشكل طبيعي دون ان يدرك أن هنالك خطب ما يحصل معه وهنا اعترف ساكس أن علم النفس العصبي قد وقف عاجزاً على ايجاد تفسير لهذه الظاهرة في حينها.
قد يصدف أن تمر بمثل هذه الحالة عند شعورك بالارهاق الشديد وانقطاع النوم لعدة ايام بحيث يحدث بطء في الاستجابة عند الرؤية فيحدث تأخير في الادراك فلا نستطيع تمييز ما ننظر اليه الا بعد مرور عدة ثواني من رؤية الشيء وقد تصيبك حالة من الهلع عند ادراك ما حصل الا أن المثير في هذا الفعل هو التعامل الاولي أو التجريدي مع الأشخاص... تخيل أن يتم النظر اليك ليس ككل (كائن بشري لديك روح وأحاسيس) لكن كشيء لديه ميزات كالرأس الكبير، فم صغير، أنف.... الخ... ان يتم تحطيمك وتجريدك الى عناصر أولية مجموعها كأشياء يعطي صورة أو هوية عنك حتى لو تم ربطها بعلاقات منطقية كما يفعل الكمبيوتر هل تعبر بالضرورة عن حقيقتك كإنسان!! هل يمكن النظر الى هكذا مجموع بمجرد عملية تصنيف كما نفعل عادة (هذا كذاب، غشاش، مخادع، مؤمن، تقي، ... الخ) دون اصدار عملية حكم متواصل لديناميكية الانسان المتغيرة فأنا اليوم لست نفس الشخص البارحة ولن أكون أنا نفسي غداً فالتغيير ولو كان غير ملموس فيزيائياً عملية مستمرة حتى على مستوى اللاوعي لدينا.
على العموم صديقنا الدكتور بي عندما أراد أن يرتدي قبعته أمسك برأس زوجته وحاول أن يرفعها ليرتديها فالاثنان كأشياء عبارة عن شيء واحد نموذج دائري الملامح! لا عجب أني أكره فنك التكعيبي يا بيكاسو!