"أنا متعب حقاً من الألم الذي أسمعه وأشعر به أيها الزعيم، متعب من السير على الطريق وحيداً كطائر صغير في المطر. لم يكن لم مُطلقاً شخص أسير معه أو يُخبرني إلى أين نحن سائران أو من أين نحن قادمان أو لماذا، أنا متعب من قسوة الناس على بعضهم بعضاً. إن الآلام تملاً رأسي كشظايا من زجاج مكسور، متعب من المرات التي حاولت فيها المساعدة ولم أستطع، متعب من البقاء في الظلام. إن الألم مصيري في كل شيء وينتظرني أينما توجهت. آلامي أنوء تحت حملها ولو كانب إيمكان التخلص منها لفعلت، لكنني لا أقدر."
يُمكن تصنيف رواية "اللحظة الأخيرة" بإنها من أدب السجون بلا شك، مع إضافة فلسفة سوداوية على عقوبة الإعدام وبالأخص في فترة الثلاثينيات بأمريكا وهي فترة ضبابية ومشوشة بسبب الكساد ومحاولة قمع حرية ذو البشرة السوداء حتى بعدما انتهت العبودية بشكل قانوني، فعقوبة الإعدام في تلك الفترة كانت تتم بأبشع الطرق المُمكنة عن طريق الكرسي الكهربائي "سباركي العجوز" فيشوى المحكوم عليه بالإعدام كتكفير عن ما اقترفه من بشاعات، ولكن ماذا لو كان مظلوماً؟ وهو ما استوحى منه "ستيفن كينج" تلك الرواية، عن الطفل ذو الأربعة عشر عاماً الذي اتهم كذباً بقتل فتاتين صغيرتين وظهرت براءته بعد فوات الأوان، وبعدما سرت الكهرباء بدماغه الشاب.
الرواية مليئة بالأفكار العميقة والفلسفات المُعقدة، بل ورمزيات حتى! فلو نظرت نظرة واسعة للمساجين المحكوم عليهم بالإعدام تجدهم (من السكان الأصليين/ فرنسي يعيش بأمريكا/ ذو بشرة سوداء) وكلهم تقبلوا مصيرهم بما اقترفوه بشكلاً ما، إلا السجين الوحيد الذي لم يرتضي ذلك وهو "بيلي" ذو البشرة البيضاء، المعبر بشكل كبير عن مُحاباة أمريكا للبيض. تنقل الرواية علاقة السجان بالسجين، وكيفية العلاقة المُعقدة التي تنشأ بينهما، وخصوصاً عندما تعرف أن السجين بريء وسيذهب إلى الميل الأخضر ظلماً، فكيف يفقد المرء حياته دون أن يرتكب جُرماً؟ هذا الاسقاط الذي رسمه "ستيفن كينج" طوال الرواية عن أن السجين يُمكن أن يذهب إلى الإعدام عن طريق الحب والكلام بشكل لائق وبسيط، ذلك ما يفعل الجلاد فيجعلك تُحبه، بل وتتمنى له أن يظل يجلدك بسوطه القاسي وصوته الناعم! فتتقبل موتك الظالم بشرف لأن في ذلك حباً تجاه شيئاً/ شخصاً ما، وكما قال "جون كوفي" أثناء لحظات بكاءه المتعددة، لقد قتلهما بالحب، بحبهما للأخر.
ختاماً..
ملحمة درامية حزينة لا تعرف كيف كتبها كاتب رعب! ولكنها ربما بمثابة رسالة واضحة أن الواقع أشد رعباً من الخيال، أن الواقع أشد رعباً من الكائنات الشريرة والوحوش الهائلة، فعلى الأقل تلك الكائنات ستقتلك بدون أن تجعلك تعاني طوال حياتك من أجل حلماً لعيناً لا يُمكنك تحقيقه فتُسحق كفأر.
رواية مليئة بالطبقات التي يُمكن أن نراها من خلالها، تحتاج إلى صبر في نصفها الأول ولكن صدقني بمجرد أن تنتهي منها ستكون راضياً تماماً عنها، وبكل تأكيد يُنصح بها.