هذه رواية ممتعة .. وآسـرة،
كل ما في هذه الرواية يدفعك دفعًا إلى التهامها، والتعاطف حد الشفقة والألم، مع صاحبها، وربما مع كاتبها أيضًا، ..
هنا قضية لفرط ما اعتدناها تكررت، مأساة رجلٍ اسمه (بدون) ومن منَّا في أوطاننا العربية الشقيقة ليس (بدون) بدرجة من الدرجات، رجل يريد أن يعيش، فقط، ويحب .. فلم يكون هذا صعب عليه إلى هذا الحد، ولماذا يعامله المجتمع كله بتلك القسوة! ..
هنا تجتمع المآسي لتجسد ألم الإنسان العربي الذي يجد أنه ليس أمامه في سبيل مواجهة هذا كله إلا "الصبر" ..
يصبر حتى يحصل على الجنسية، فيأتي الاحتلال،
يصبر على الزواج من حبيبة! فيطالبونه بتطليقها،
يصبر حتى المقاومة فيتهم بالغدر!
..
لم يعد أمامه إلا تلك الوريقات التي يكتبها لابنته! لعلّ، وعسى!
.....
هنا رواية كبيرة، ولكنك تعجب لكونها "مكثَّفة" جدًا، تأتي كلها هكذا سطورًا تلو سطور وأحداث يليها أحداث، ومشاعر متضاربة ومتلاحقة، تجعلك ترافق المنسي ابن أبيه، في رحلته وفي مآسيه!
..
أعجبني ما كتبته الشاعرة "سعدية مفرح" في تقديم هذه الرواية، ووصفها أنها (قلق ينتج قلقًا، وكتابة تتغوّل على كتابة، وهامشُ يتعالى على المتن، ونصوص تتسامى على كلماتها الحادة في جملها الناقصة، وشخصياتٍ نعرفها في إطار الواقع وسياق المتخيّل.. وأخرى نتوقعها تتمشى داخل نسيج الرواية لكنها تتفلت منّا كلما حاولنا الإحاطة بها.. )
بالمناسبة، لا عجب ولا غرابة أن تخرج تلك الرواية من قوائم "بوكر" فمثل هذه الرواية مكانها "القلوب" وليست للجوائز!
لا عجب ولا غرابة، فقد اعتدنا أن تتصدر روايات "غريبة" قوائم البوكر، إذا استثنينا العام الماضي مثلاً، لاعجب ولا غرابة فمقاييس لجنة أمناء بوكر، أو لجنة تحكيمها أصبحت أكثر عجبًا وغرابة!
...
يحسب لبوكر على كل حال أن عرفتنا عليه، أما بعد اكتشافنا لجمال كتابته وثراء عالمه، واحترافه، فالكبير سيبقى كبيرًا.