الكل يرى ما يريد ان يرى ، وقد لا يرى الحقيقة الا المجانين
الضفاف السعيدة أو.. مانفستو من سلم د. الصغير
نبذة عن الرواية
من النهاية تبدأ رواية "الضفاف السعيدة" للروائي العراقي عدنان يعقوب القره غولي، ثم تروح تسترجع الماضي في مسارٍ دائري متقطع في الزمكان لتُبين المقدّمات والأحداث والوقائع التي أدت إلى الحالة التي وصلت إليها بطلة الرواية على مدى ثمانية وعشرون عاماً مضت من حياتها.. مليئة بالفصول.. تتذكر بعضها.. وتطوي بعضها.. وكلها ...مرت سريعاً كعاصفة هربت من زمن قاسٍ.. إلاّ أنها تركت آثارها وتداعياتها على حياتها الآتية ... تقول الرواية تأثير اللاوعي في حياة الإنسان، ودور مرحلة الطفولة في مسار المراحل الأخرى، وانعكاس ما يحدث في وسط الطفل الاجتماعي على سلوكه في مراحل حياته كلها. فبطلة الرواية قضت سنواتها الخمس الأولى وأسرتها في خصام دائم، صرخات الأب ووجهه الغاضب، دموع الأم ووجهها العبوس، تاريخ خالتها الملوث بالخيانة، و"الهيكل المسحور" منزل العائلة الذي صممه والدها المهندس المعماري وشيده على قطعة أرض متوسطة المساحة وأقامه بطراز فريد مزج فيه الحداثة بطراز القصور القوطية. والموسيقى التي تصدح من غرفته طيلة الليل ومرضه وموته الذي ظلّ لغزاً في تلك الغرفة العالية، هي وقائع ترسخت في ذهن الطفلة وعندما كبرت بدأت بالبحث عن تفسير لكل ما كان يجري حولها، ولكنها لم تجد جواباً يروي ظمأها ولإنها كانت شغوفة بالكتب وبقراءة القصص الخيالية- أثناء مساعدتها لعمها في مكتبته- قرأت يوماً كتاباً باللغة الألمانية عنوانه: "Glucklich ufer" وهو لكاتب مغمور يدعى: "Hans Erich Junger" وقد مات هذا الكاتب بعد ثلاثة أعوام من كتابته هذا الكتاب في إحدى المصحات العقلية أما عنوان الكتاب باللغة العربية فكان يعني "الضفاف السعيدة" ويضم مجموع قصص قصيرة عن الفقراء ومعاناتهم، إلا أن البطلة لم تقرأ منها سوى قصة وحيدة تتحدث عن إنسان يرمي أوراقه إلى النهر ليلاً. وهي القصة التي سوف يرتكز عليها السرد في الرواية حيث تعيش بطلة الرواية حياتين واحدة حقيقية وأخرى متخيلة، يكون فيها جيمس جويس بطل الرواية حاضراً بشبحه في حياتها فهو يقترب بملامحه من ملامح أبيها، "مجنونة أنا فيما أفكر... أحياناً وأنا أمام المرآة يمر ببالي ذلك الرجل المصطنع، نعم المصطنع بالشتاء، الملتف بالمعطف والذي يرتدي قبعة تشبه قبعة أبي ذلك الرجل الذي زارني في المكتبة...". ولا يتوقف الأمر على بطل الرواية بل راحت الفتاة تبحث عن شبيه لكل شخوص القصة في حياتها، وراحت تنسب سلوكات أفراد عائلتها والمحيطين بها على أنها هي تصرفات أبطال القصة، وهكذا حتى دخولها مستشفى للأمراض العصبية، فتعالج وتكتشف أخيراً "أن كل ما في الأمر إنك استرجعت ذكريات طفولة مع من تظنيه سيأخذك إلى ضفاف سعيدة..." وأن الرجل الذي زارها في المكتبة واشترى منها كتاب "الضفاف السعيدة" وهو "جهاد جليل" والذي ظهر على أنه مؤلف الضفاف السعيدة هو ما قَرأتْ عنه في القصة المذكورة "وهو وصف لرجل في قبعة ومعطف وبذات الأوصاف يظهر لإمرأة شبحاً فتحبه حتى تتهم بالجنون وتدخل المستشفى.." وأنها بالنهاية كانت تبحث عن مجدٍ ، يخلدها كما خُلدَ أبوها، الذي عانق دجلة ومات لأجلها، فأعجبت ببطل القصة وموته المشرف.. وطمحت إلى حياة بطعم المجد.. وتختتم الرواية بقرار البطلة كتابة قصتها: إنها قصة ثورتي ضد جمودي الذي طغى عليّ لسنين طويلة.. إنها قداس حياتي وليس قداس مماتي.. حياتي ثورة قادمة سأسميها Manafesto in D minor مانفستو من د الصغير.... أو الضفاف السعيدة؟التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2014
- 191 صفحة
- [ردمك 13] 9786140223158
- الدار العربية للعلوم ناشرون
تحميل وقراءة الرواية على تطبيق أبجد
تحميل الكتاباقتباسات من رواية الضفاف السعيدة أو.. مانفستو من سلم د. الصغير
مشاركة من عدنان يعقوب القره غولي
كل الاقتباساتمراجعات
كن أول من يراجع الكتاب
-
عدنان يعقوب القره غولي
صحيفة المدى - الملحق الثقافي ( اوراق ) عدد الاحد 9-11-2014
عبر 191 صفحة يخوض الكاتب تجربة غير مألوفة بكتابته رواية نفسية اجتماعية على لسان وإحساس امرأة هي البطلة الراوية، صاحبة احدى كبريات المكتبات العريقة ببغداد ، مثقفة ومتخصصة بالأدب الانكليزي، عاشقة لأدب جويس والفنون . تمر بضغوط نفسية متلاحقة منذ طفولتها فتتيتم وهي صغيرة بأبيها وتفقد أمها وهي في بداية مراهقتها لتعيش وسط أقربائها وتنمو وسط محنتها في واقع اجتماعي قاس وسط الظروف التي مر بها العراق فيذهب بكل نجاحها وطموحها وأحلامها لتلوذ بعالم خيالي طالما حاكى طفولتها الاولى للخلاص مما يحيطها من قسوة المحنة، عالم تبحث فيه عن مخلص، عن المثقف المهمش،عالم تصدح فيه موسيقى موزارت وقداسه الجنائزي. رجل من الخيال تجد فيه صديق ينتشلها من عزلتها، متمثلاً بصورة جويس و أبيها ليكون في النهاية طريقها للبحث عن الانسان الحقيقي ولاكتشاف ما يحيطها من زيف عن تاريخ مبهم لأسرتها ظل غائباً عنها طيلة حياتها. فيكون مناراً لاكتشاف الذات، لتعلن في النهاية ان قداسها الجنائزي الذي كانت تسمعه بات بياناً لخلاصها.
http://www.almadasupplemen
ts .com/news.php?action=view&id=11302 ***************
*************** ********** صحيفة الغد 9-2-2014
بين الحداثة والتجريب...الضفاف السعيدة
أو
مانفستو من سلم د.الصغير...
عبد العزيز الحيدر
دوران النهاية وتداخل البداية في النهاية استعارة رمزية للدلالة على استمرار الحالة ولا نهائيتها المتمثل بشكل الدائرة.( دائرة الشك) بالرغم من وجود التوقفات على الضفاف السعيدة هنا وهناك..
عن الدار العربية للعلوم ناشرون صدرت في بيروت قبل أيام رواية الكاتب والروائي العراقي عدنان يعقوب القره غولي ..الضفاف السعيدة, أو ..مانفستو من سلم د. الصغير والتي تقع في 191 صفحة من الحجم المتوسط وبطباعة فاخرة, يتصدر غلافها صورة لجيمس جويس وسيلفيا بيش في باريس 1920... وسيلفيا بيش هذه هي أمريكية,صاحبة مكتبة(شكسبير) في باريس بعد الحرب العالمية الأولى..وهي ناشرة رواية يوليسيس لجويس والتي تتقمص بعض ملامحها وخطواتها بطلة رواية القره غولي.. والتي تبدأ الرواية بتعريفنا بها وبصوتها , وهي تدير مكتبة عمها , الأعوام الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي في شارع الرشيد ,جوار مكتبة الجقمقجي لبيع الاسطوانات الموسيقية والغنائية...وتبدأ الرواية بتعريفنا بتدهور الزمن وغياب ملامحه وضياع الخطوات فيه في ظل سنوات الحروب والدمار والحصار الاقتصادي والجوع والقهر الذي كان يطبق ويطبق على حياة العراقيين في تلك السنوات العجاف القاسية نرى البطلة تستلم مكتبة عمها وتجاهد في بعث الحياة فيها... وعندها يكون زمن الكتاب قد ولى يومها _كما تقول الراوية_..فالكل يفكر بالذي يملأ جوفه لا عقله..وحيث تسترسل البطلة في تداعياتها بين وعي مشوب بالقلق والخوف والشك.... وتوثبات جنون وبين ماضٍ مأساوي وخيبات حب لم ينضج كما يفترض يستمر السرد الشاعري النبرة والبناء, بين اللوحات لغاية اللوحة الـ14 الصفحة 96 وهي صفحة المنتصف تحديدا في التعرف و-بأسلوب التداعي الحر-على بطلة الرواية وما لاقته في طفولتها ويتمها من ناحية الأب الذي اتهم بالجنون والتي هي بها أيضا أو ربما كانته وهو ما لم نتوصل الى معرفته تأكيدا طوال الرواية لنهايتها وموت أمها ثم جدتها فمشاعر الصد والعجرفة من قبل ابن عمها والذي كان الرجل الوحيد الذي تكن له حبا شديدا غير معلنا..إلا تلميحا, والذي يقرر مثل الآلاف من شباب جيله الهرب والهجرة إلى أوربا والبلدان العربية والانتقال بين مدنها ومرافئها واكتفاءه بإرسال الرسائل الساخرة التي تهاجم أساليب حياتها وحياة العائلة والأجيال السابقة التي يعتبرها في طريق الانقراض.
بطلة القصة الراوية, خريجة كلية الآداب-الانكليزي- وهي مغرمة بأدب جيمس جويس, بشكل كامل وتتخلل ذكرياتها في الغالب مقاطع من قصائد جويس التي تقوم بترجمتها إلى العربية, وهي طوال الرواية مشدودة إلى الى حلم –كابوس- يصور وجودها وحيدة مع حفار القبور في مقبرة وهي مسجى عليها فيما يقوم الحفار بأعداد قبر لها ....وفي اللحظات الأخيرة يظهر منقذ-مخلص- يطلب من حفار القبور أن يدفنه بدلا عنها... هذا الحلم الذي يتكرر منذ الطفولة إلى نهاية القصة مصاحبا بمقاطع من ترنيمة
للمقابر.... لموزارت.....
Re quiem-D-minor ربما تكون الطفلة قد سمعته من غرفة أبيها العلوية في طفولة سحيقة أو في مدرسة البالية والرقص حيث أتمت فيها دراستها الابتدائية, هذه المتلازمات الثلاث ستكون محورا حياتيا ملازما لشعورها الدائم باليتم وانسحقاتها المتكررة تحت تأثيرات الشك المتكرر والدائم... والقرغولي بذلك يعيدنا وبعمق كبير إلى دائرة الشك الشكسبيرية من حيث يقصد أو لا يقصد .. وهذه الإحاطة سنراها في نهاية الرواية حيث تعود الكلمات الأولى لافتتاح الرواية لتكون ذاتها كلمات النهاية في تشكيل دائري لا نهائي يبعث على الكثير من الاسىى والمشاركة الوجدانية مع البطلة التي قد تكون أي واحد منا حين يطوق بدائرة أبدية.. دائرة ثيمة الشك الذي هو محور حياتنا في السعي للوصول إلى اليقين..من كابوس المقبرة وتوهم رؤية أبيها في الأيام الأولى لموته وتعلق ذلك في النهاية بالرؤية الوهمية لــ (ج ج) الذي يطاردها بين وهم وحقيقة تضيع فيها البطلة حتى النهاية وبعد صفحة المنتصف بالذات واعتبارا من اللوحة 14من الرواية يبدأ مستوى ثان من السرد,حيث نبدأ رحلة جديدة ثانية وجديدة من الشك والعذاب والاقتراب من حافات الجنون مع احد زبائن المكتبة- الميت أصلا- والذي كان يعمل كوالدها مهندسا مدنيا..والذي غرق في نهر دجلة أثناء قصف جسر الجمهورية وهو الذي قد ترك مؤلفا واحدا من القصص والقصائد تحت عنوان(الضفاف السعيدة) والذي يحضر- أو قد يحضر شبحه- إلى المكتبة لاقتناء نسخة من كتابة بين حين وآخر وهنا يكون ترابط ثان بين الأب الذي ترك تراثا من التصاميم كأبنية في بغداد تتشوق البطلة إلى رؤيتها بين حين وآخر وبين الأثر الأدبي الذي تركة المهندس المؤلف للضفاف السعيدة(ج ج ) وهنا يظهر واقع البعد الرمزي للقره غولي بكون الضفاف بسعادتها هي وجود حقيقي وشهادة حاضرة رغم الموت والجنون والشكوك المحيطة بتفاصيل الحياة..في هذا المستوى تظل البطلة تتقصى عن الوجودين.. الحقيقي-الماضوي- والوهمي _الحاضر- لشخصية(ج ج) الذي يصبح صديقا لها ومعوضا -نفسيا- وكاشفا لرؤية جديدة ,حاضرة للمدينة ويدفع بها إلى المشاركة في تخفيف آلام اليتامى في ملجأ هو الأحر من تصميم والدها ...وتصاحبه في شراء الهدايا وزيارة الملجأ ..ومع تصاعد السرد يكون كل ذلك عرضة لشكوك الآخرين واعتقادهم بأنها (أي البطلة) تعيش حالة شيزوفرينية وتبلغ الحكاية ذروتها مرة أخرى في الصفحة 108 حيث تلتحم في ذهن المؤلف والقارئ صورة لأبيها بعد موته بأيام حين يلتقيها-كطفلة- في باب الدار ويعد بالعودة في العيد ووجود هذا الميت –الحي- كأمنية عميقة ,دفينة, متماهية في الواقع –من الناحية السيكولوجية-.
تستمر اللوحات إلى مستوى ثالث في اللوحة 16 صفحة 116 وما بعدها حيث تتطور العلاقة بين البطلة و(ج ج) الذي يرمز إلى اسم المهندس جهاد جليل وترمز إلى (جيمس جويس ) أيضا هذا المستوى يستمر إلى نهاية اللوحة 17 صفحة 135 والتي كان من الممكن للرواية أن تنتهي عنده دون تقصير كبير ولكن الروائي شاء أن بصل المستوى الرابع لاستكمال حلقة الشك الدائرية اللامنتهية وكشفه للمزيد من الترابط بين اللحن الجنائزي لموزارت وقصائد جويس وابرازة للازمة الوجودية العميقة التي تحيط بالبطلة وعذاب حبها المهان المقموع وذكريات موت أقرباءها وشعورها بالتحول إلى كيان فرد وحيد معزول في النهاية..ويظل الحلم القديم-الكابوس- وتظل المقبرة والمخلص وموسيقى موزارت متلازمة وملاحقة تطاردها من جديد وهي في أشعار جويس كسلوى أحادية, وفي اللوحة 19يبدأ مستوى أخير يفتح بابا للأمل حيث يتم وحتى النهاية العودة إلى الواقع والمناقشة المنطقية لحالتها من قبل عائلتها وخطيب أختها وتودع في مستشفى للأمراض العقلية والنفسية تدرك فيه البطلة المتأزمة انه المكان الأجدر بالعيش في ظل تدهور الأمور والعلاقات حتى على مستوى العائلة الواحدة التي يحيط الشك بعلاقاتها من كل جانب, ولكن الأمل الأخير الذي يراودها هو أن تكون مخلصة لصديقها الميت(ج ج) المهندس ذو الانحدار الطبقي الفقير... الذي انزلها من أبراج طبقتها العالية إلى مستويات الحياة البسيطة للناس الفقراء.. وعندها تكون نهاية الرواية هي بدايتها ونفس كلمات النهاية هي كلمات مفتتح الرواية في تقنية حاول القره غولي أن يلم بها روايته في حلقة دائرية للرواية...حلقة مغلقة ...
الرواية تتحدث بأسلوب واقعي تماما وبتناصات مع بعض من برانديلو و,د.ج.لورانس وتعالج خليطا من التحليل النفسي مرورا بالجانب الاجتماعي والطبقي من خلال علاقة بطلة الرواية-التي لا نعرف لها اسم- مع الصديق الحي-الميت-..واللغة فيها الكثير من الشاعرية وتضمين للقصائد بشكل مباشر ..وحتى حركة المستويات فيها الكثير من التكرار الإيقاعي الشعري..الرواية كعمل وبصورة عامة مبنية بشكل متمكن وتجذب القارئ للاستمرار معها لتسلسل إحداثها بقوة وعمق معاناة البطلة فيها وغرائبية الحالة التي تتقمص البطلة حتى النهاية.
أنها رواية من نوع, وأسلوب جديد-قديم على الساحة الروائية العراقية والعربية .....الرواية النفسية البوليسية.
****
-
Muyaed Albassam
محطات الذاكرة المعطوبة والواقع المدمّر – نصوص – مؤيد داود البصام
– May 5, 2015
جريدة الزمان - الطبعة الدولية
الضفاف السعيدة لعدنان القره غولي
محطات الذاكرة المعطوبة والواقع المدمّر – نصوص – مؤيد داود البصام
جاءت رواية (الضفاف السعيدة ) للقاص والروائي عدنان القره غولي، بعد إصداره ثلاثة مجاميع قصصية قصيرة، ب191 صفحة من القطع المتوسط، إصدار الدار العربية للعلوم ناشرين وب23 فصلا، وضع لكل فصل رقما ً بديلا ً عن العناوين والأسماء، ولكنه وضع مقولات وآراء لكتاب ومؤلفين في بداية كل فصل على نفس النسق وتنسجم مع الأفكار التي طرحها في الرواية، والرواية تؤكد بمجملها وتؤشر على ولادة روائي، يمتلك أدواته لبناء عملا ً روائيا ً يأخذ مكانته في عالم الرواية الغاص بالنتاج المتراكم بين الغث والسمين في العالم والوطن العربي.في رواية (الضفاف السعيدة)، أستطاع المؤلف أن يلم بعناصر البناء السردي لعالم الرواية باعتباره عالم قائم بذاته، يعيد صياغة الحدث ويؤشر عليه من حيث ما يريد له أن يكون، وليس كما هو موجود، الرواية حفر في المواقع العصية بكل الإبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية لمجتمع تتحرك التحولات في داخله سريعة ومتواترة، بني الهيكل العام للرواية على سرده لذاكرة بطلة روايته، وهي ذاكرة معطوبة بفعل مؤثرات الإحداث التي مرت بها خلال مراحل حياتها منذ الطفولة حتى سنوات النضج، وما يمر به وطنها وشعبها، وهي أحداث تسير نحو تغيير بنية الحياة للإفراد والمجتمع من الأفضل للسوء، وتسرد الواقع المأساوي الذي تعيشه وهي تروي قصتها وأحداث الوطن والواقع المعاش، وتبقى مجهولة الاسم حتى يمنحها في نهاية الرواية اسم (دجلة )، أشارة ورمزا ً على بقاء النقاء وديمومة الحياة والتجدد، ضمن مجتمع مقهور آخذا ً بفقدان الأشياء الجميلة والحميمة، ويسرع الخطى نحو الخراب والدمار.
تبدأ الرواية بالسرد الذاتي (الأنا ( للبطلة لتروي حياتها مرتبطة بإحداث الوطن وما يتعرض له من تدمير بمختلف أسلحة الموت التي تمتلكها القوى الامبريالية العالمية وعلى رأسها أمريكا، والحصار الذي فرض على بلدها من قبل هذه القوى الغاشمة، والذي سحق كل شئ ولاحق البشر في كل مفاصل حياتهم، وتبقى مسيرة السرد ضمن هذه الدائرة التي يتحرك فيها الروائي من كل جوانب حياة بطلته ووقائع الإحداث على أرض الواقع، وتدور معظم أفعال وما يقال عن الأشخاص الآخرين ضمن علاقتهم بالبطلة، والشخصية الساردة هي شخصية ناقلة للإحداث بتأثر مباشر، وخاضعة لرؤيتها في بناء الهيكل العام للرواية، وهو ما يفهمنا حالة الغربة الذاتية والمكانية التي تعيشها، والتجاذبات التي تعيشها بين القديم والجديد، ومن بداية الرواية نفهم إن البطلة تعيش حالة نفسية تتمثل بتجسيد صور الماضي كواقع متخيل، وتتمثل هذا الماضي بصور متجسدة في الحاضر، ويمكن اعتبارها حالة مرضية، فهناك مقدمات يضعها لنا الكاتب للظن أنها حالة مرضية وكونها حالة متوارثة في العائلة، ” ستجن كأبيها..” ص33 أو ما تراه من رؤى وهمية كمقاومة ذاتية لرفض ما يحدث، وهذا ما سنراه متحقق على الرغم من لعبة الإيهام التي مارسها المؤلف ليجعلنا نذهب إلى الاتجاه الآخر، بغير ما خطط، حيث رسم حياة بطلة الرواية بكل أبعاد الشخصية التي تعبر عن فترة ما قبل الفوضى التي اجتاحت المجتمع العراقي، فهي تعيش في بيت عمها بعد إن فقدت أباها وأمها، ولم يتبقى من عائلتها، إلا أختها الأصغر سنا ً منها، وقد استلمت أدارة المكتبة التي يمتلكها عمها في منطقة الباب الشرقي من مدينة بغداد، بعد أن كبر وما عاد قادرا ً على أدارتها، عقب تخرجها من كلية اللغات قسم اللغة الانكليزية، وعدم تعيينها في وظيفة، وتفشل في علاقة الحب مع ابن عمها(عادل)، الذي يغادر البلاد ليعيش مهاجرا ً تاركا ً إياها مع الذكريات ورسائل متقطعة، يشير فيها إلى مغامراته.وعلى الرغم من أن الرواية تبدأ في الحديث عن الحرب التي تشنها القوى الامبريالية، وتصف قصف الطائرات الأمريكية لمدينة بغداد وما تحدثه من دمار، إلا انه يعود بين الحين والآخر إلى الماضي التليد للمدينة مذكرا ً إيانا بمقارنة غير مباشرة، كيف كانت، وكيف أصبحت ألان، وخلال عملها في المكتبة، تحاصرها فكرة أن المكتبة في طريقها للتوقف والزوال، بعد الإحداث الجسام التي مر ويمر بها العراق والمجتمع العراقي، تروي نضالها لإعادة الحياة إلى المكتبة من لحظة استلامها مهمة أدارتها، ومحاولتها أن تجعلها ببهاء ما تتمنى وتتصور، وبذلت كل ما في استطاعتها لتجعلها مكتبة نموذجية تواكب تطورات العصر، وزينتها بلوحات وصور مشاهير الأدباء، واستقت الكثير من أفكار… ” سلفيا بيتش: أمريكية صاحبة مكتبة ” شكسبير” في باريس بعد الحرب العالمية الأولى وهي ناشرة رواية يولسيس ” ص13 إلا أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمتغيرات في المجتمع وحياة الشباب الذين أثرت عليهم الحرب، جعل عمل المكتبات التي كانت مزدهرة في العقود المتقدمة تسير إلى الاضمحلال والإغلاق، وهو بهذا يربط بين ما يحدث للمجتمع من تخريب وما يحدث للمكتبة من اضمحلال وضمور من جهة، وبين حياتها التي تدخل منعطفات النهاية المأساوية، وعلى إيقاع حركة موسيقى القداس الجنائزي لموزارت (Requiem) وموسيقى (Hungarian Rhapsody ) الرابسودات لفرانز ليست…سيكون الشبح الذي يترائي لها ولموزارت في كلا الحالتين القاسم المشترك بينهما. ويظل صوت موسيقى القداس الذي كانت تسمعه دائما منبعثا من غرفة والدها حاضرا ً في ذهنها، وهو البعد الذي سيجرها إلى موقف تصوفي في نهاية الرواية.
وفي إثناء هذا الحصار الداخلي لما تعانيه والخارجي الضاغط عليها، عاشت علاقة وهم مع شخصية كاتب نص الضفاف السعيدة (الشبح )، وهي رواية وهمية عنوانا ً للحلم الذي تريده، ولهذا يعدد أكثر من كتاب ظهر بهذا الاسم كما يشير لذلك من ضمن بناءه السردي في الإيهام بحقيقة الوهم، ويحاول أن يجرنا بوقائع الوهم لتصديق البطلة في تخيلها الجامح، وردة فعلها الذي يجرها للتخيل والوهم، لأنها ترفض الواقع المتردي، وتبحث عن النقاء والإخلاص والوطنية، في شخصية مؤلف كتاب الضفاف السعيدة ، الذي انتهت حياته من اجل الوطن، حينما سقط في الحفرة التي أحدثها قصف الطائرات الأمريكية للجسر، وهو يشارك في أعادة ترميمه، كما كانت في طفولتها تداري غربتها بشبح أبيها، ويؤكد في روايته على ما تراه أن كل الأشياء الجميلة تتحرك نحو الزوال.من بداية الرواية يضعنا الكاتب الذي يروي الحكاية عن طريق البطلة، أن بطلته في حالة أزمة منذ طفولتها بسبب تعلقها بابيها الذي توفى وهي طفلة صغيرة، وتظل تتوهم انه يظهر لها كحقيقة بعد وفاته، وتصاحبها كوابيس ليلية..” سنين وانأ أرى ذلك الكابوس لا يغادر “.ص45 ،وهي وأن تعيش هذه الحياة التي تعقدت بفعل الإحداث وتتجذر لديها الغربة، تبقى متيقظة الذهن والذاكرة لتعبر عن غربتها منذ طفولتها, ” لم تغب عن ذاكرتي صورة الطفلة المنزوية جانبا ً في مدرستها.. الجميع يلعب وانأ أرتكن الزوايا وحيدة في أوقات الراحة بين الدروس افتقد شيئا ًفي داخلي..لا أملكه ” ص22.. وهذا ما يجعلنا نقف بحذر إمام هواجسها، أنها ليست حالة مرضية، وإنما ذاكرة معطوبة بفعل الإحداث الجسام التي مرت عليها والوطن والمجتمع وما تأثر به الإفراد، حتى تتحول بعلاقة الوهم من الأب إلى شخصية مؤلف كتاب الضفاف السعيدة ” مجنونة أنا فيما أفكر…أحيانا ًوأنا أمام المرآة يمر ببالي ذلك الرجل المصطنع، المصطنع بالشتاء الملتف بالمعطف والذي يرتدي قبعة تشبه قبعة أبي، ذلك الرجل الذي زارني في المكتبة.” ، وترفض مناقشة فكرة موته من جراء سقوط صاروخ من القصف الأمريكي على بغداد ليصيب جسر الشهداء من جانب الكرخ، وإثناء التعمير سقط المهندس جهاد جليل، وهو أسم مؤلف نص ( الضفاف السعيدة ) الشاب المسؤول عن ترقيع الجسر، من نفس الفتحة ليغرق في النهر، لأنه لا يجيد السباحة، كما تتخيل حضوره، وتعيش نفس وهم ظهور أبيها، وعلينا أن نعرف إن جهاد جليل ( الشبح ) الذي يعيد ما تريد أن تبقيه من الذكريات للواقع وما ترغب في الاحتفاظ به، وتجعله سلاح الدفاع الذي ترفض به الواقع الجديد، كما رفضت فكرة موت أبيها، وكما هي اللازمة في الموسيقى الجنائزية لموزارت سيشكل اللازمة حتى بعد أن تفيق وتدرك أنها أنما تتخيل، عندما تصل في نهاية الرواية مع عمها وأختها وزوج أختها إلى جملة حقائق وهي في المصحة العقلي، وتصحح الاختلاط الذهني وتحل جزء مما علق في الذاكرة منذ الطفولة. ” تلك المرايا بآلاف الأوجه.. فيما بقينا نحن ورثة جيل متعب أحادي الوجه، كثير العطايا، كثير النزف. ” ص76 . لتنتهي الرواية بأمنية أن تكتب رواية تحمل رياح الثورة والتغيير للواقع لإيجاد واقعا ثوريا، ممثلا ً بنهر دجلة الذي يمحو الرداءة بمياهه النقية العذبة وكما تقول.. ” لن يمضي غافلا ً… دجلة سيمسح الدموع.. يخفف الألم ويغسل الجروح ” ص190.
المعالجة الدرامية
استطاع عدنان القره غولي من شدنا إلى روايته خلال صفحاتها إل 191 ، تحدث عن عالم متحرك ومتسارع الإحداث، طرح قضاياه بسلاسة وحيادية الموقف، ولم يكن انحيازه لمدينته بغداد التي كتب روايته عنها، ما يشعرنا مباشرة في الكتابة عنها بعاطفة شخصية، وإنما كتب بموضوعية، وهو يصفها من خلال شخوصه، فقد أثث ديكور روايته من خلال شوارعها وبيوتها وحاراتها والمواقع الحضرية التي كانت تتمتع بها، وتعامل مع الشخصيات ببساطتها من دون تضخيم، ناقلا إياها ضمن العلاقة الحميمة التي تربطه بها، وتسلل للمجتمع بواسطة بطلته، لإنسانة من الطبقة الوسطى ذات الحس الاجتماعي المتحضر، ابنة الطبقة المحركة للتطور والمحافظة على استمرار البناء، ومنحها ما يفتح لها نافذة للاطلاع على الثقافات العالمية، كونها خريجة قسم اللغة الانكليزية مع والد متحضر ومحب للموسيقى وعائلة متحررة الأفكار والعلاقات العامة، استطاع المؤلف إن يبني هذه الشخصية التي تحمل علاقة التواصل الحضاري في مجتمعها وجعلها الممثلة له والحافظة لتاريخه ومجده، مع ما تحمله من متناقضات فردية واجتماعية نتيجة الظروف التي مرت بها حياتها الصاخبة وعلى بلدها الذي أنهكه الحصار الامبريالي الظالم، ولكنه لم يمنح بقية الشخصيات الاهتمام لإيجاد المعادل أمام شخصية البطلة أو يكشف علاقتهم بالوطن على الرغم من أنهم من نفس الطبقة، وظلت الرواية تتحدث من خلال لغة وتفكير البطلة دون إن تأخذ بقية الشخصيات دورها في الهيكل العام، ولكن هذا لم يخل في البناء العام لهيكلية الرواية، بما استطاع إن يحملنا وإياها مما يحدث في المبنى العام، وما يحدث من تغيير في بنية المجتمع وتحولاته، ولم تتحول الرواية إلى سيرة ذاتية، خارج إطار العمل الروائي.
أن النجاح الذي تحقق في دراما الرواية، هو في صياغة شخصية البطلة التي جاءت متوافقة مع البناء العام للنص من حيث كونها تتحدث بمادة طبقتها وعالمها الذي ما زالت عوالمه قائمة ً، عن عالم الطبقة الوسطى في مدينة بغداد، التي دمرتها الإحداث، وتغيرت المدينة وأصولها وجذورها، بما صنعه الحصار القاهر الذي فرضته القوى الامبريالية على شعبها، فهي رواية بغدادية عراقية، و تكتسب قوة مخاضها من بناءها الموضوعي، وعدم تدخل المؤلف في تحريك إبطاله قسرا ً لتقديم أفعال أو الحديث بما يرغب ويتعاطف معه، على الرغم من التحولات الخيالية ( الميتا فكشن )، فقد ظل ردم الرواية يسير بشكل متوازي بين الشخصية الرئيسية وما تحمله من ثقل رؤية وطنها وهو يسير نحو الخراب، وتنهار إمامها الأحلام التي بنت حياتها عليها، وبين الإحداث التي ساقها عبر إبطاله الآخرين. الذين على صلة أو قرابة من بعيد كمكمل للعملية السردية، وتناغم مع موسيقى موزارت في تسلسلها الدرامي، وروحية موسيقى الرابسودي الشعبية المعبرة عن الحس الشعبي، ونجح في أن يجعلنا نؤمن بما أراد الموسيقار ( فرانز ليست ) في اهتمامه بالحس الشعبي في موسيقى الرابسودات التي وضعها، ليمثل فيها حس الأمة الحي، وقارنه في أحلام وتطلعات بطلته لإيجاد مجتمع متحضر، تسوده العدالة، ويعم فيه النقاء، وهو الانزياح الصوفي للشخصية في نهاية المطاف، عندما فقدت ما يمكن أن تتمسك به على ارض الواقع، فاتجهت إلى ما وراء الواقع..ولكنها تصحو لتعيد تركيب المعادلة نحو البدء في التفكير الثوري للحلول الجذرية لمجتمعها حسب قدرتها، وعدم الاستسلام لقدرها.