صحيفة المدى - الملحق الثقافي ( اوراق ) عدد الاحد 9-11-2014
عبر 191 صفحة يخوض الكاتب تجربة غير مألوفة بكتابته رواية نفسية اجتماعية على لسان وإحساس امرأة هي البطلة الراوية، صاحبة احدى كبريات المكتبات العريقة ببغداد ، مثقفة ومتخصصة بالأدب الانكليزي، عاشقة لأدب جويس والفنون . تمر بضغوط نفسية متلاحقة منذ طفولتها فتتيتم وهي صغيرة بأبيها وتفقد أمها وهي في بداية مراهقتها لتعيش وسط أقربائها وتنمو وسط محنتها في واقع اجتماعي قاس وسط الظروف التي مر بها العراق فيذهب بكل نجاحها وطموحها وأحلامها لتلوذ بعالم خيالي طالما حاكى طفولتها الاولى للخلاص مما يحيطها من قسوة المحنة، عالم تبحث فيه عن مخلص، عن المثقف المهمش،عالم تصدح فيه موسيقى موزارت وقداسه الجنائزي. رجل من الخيال تجد فيه صديق ينتشلها من عزلتها، متمثلاً بصورة جويس و أبيها ليكون في النهاية طريقها للبحث عن الانسان الحقيقي ولاكتشاف ما يحيطها من زيف عن تاريخ مبهم لأسرتها ظل غائباً عنها طيلة حياتها. فيكون مناراً لاكتشاف الذات، لتعلن في النهاية ان قداسها الجنائزي الذي كانت تسمعه بات بياناً لخلاصها.
http://www.almadasupplemen
***************
صحيفة الغد 9-2-2014
بين الحداثة والتجريب...الضفاف السعيدة
أو
مانفستو من سلم د.الصغير...
عبد العزيز الحيدر
دوران النهاية وتداخل البداية في النهاية استعارة رمزية للدلالة على استمرار الحالة ولا نهائيتها المتمثل بشكل الدائرة.( دائرة الشك) بالرغم من وجود التوقفات على الضفاف السعيدة هنا وهناك..
عن الدار العربية للعلوم ناشرون صدرت في بيروت قبل أيام رواية الكاتب والروائي العراقي عدنان يعقوب القره غولي ..الضفاف السعيدة, أو ..مانفستو من سلم د. الصغير والتي تقع في 191 صفحة من الحجم المتوسط وبطباعة فاخرة, يتصدر غلافها صورة لجيمس جويس وسيلفيا بيش في باريس 1920... وسيلفيا بيش هذه هي أمريكية,صاحبة مكتبة(شكسبير) في باريس بعد الحرب العالمية الأولى..وهي ناشرة رواية يوليسيس لجويس والتي تتقمص بعض ملامحها وخطواتها بطلة رواية القره غولي.. والتي تبدأ الرواية بتعريفنا بها وبصوتها , وهي تدير مكتبة عمها , الأعوام الأخيرة من تسعينيات القرن الماضي في شارع الرشيد ,جوار مكتبة الجقمقجي لبيع الاسطوانات الموسيقية والغنائية...وتبدأ الرواية بتعريفنا بتدهور الزمن وغياب ملامحه وضياع الخطوات فيه في ظل سنوات الحروب والدمار والحصار الاقتصادي والجوع والقهر الذي كان يطبق ويطبق على حياة العراقيين في تلك السنوات العجاف القاسية نرى البطلة تستلم مكتبة عمها وتجاهد في بعث الحياة فيها... وعندها يكون زمن الكتاب قد ولى يومها _كما تقول الراوية_..فالكل يفكر بالذي يملأ جوفه لا عقله..وحيث تسترسل البطلة في تداعياتها بين وعي مشوب بالقلق والخوف والشك.... وتوثبات جنون وبين ماضٍ مأساوي وخيبات حب لم ينضج كما يفترض يستمر السرد الشاعري النبرة والبناء, بين اللوحات لغاية اللوحة الـ14 الصفحة 96 وهي صفحة المنتصف تحديدا في التعرف و-بأسلوب التداعي الحر-على بطلة الرواية وما لاقته في طفولتها ويتمها من ناحية الأب الذي اتهم بالجنون والتي هي بها أيضا أو ربما كانته وهو ما لم نتوصل الى معرفته تأكيدا طوال الرواية لنهايتها وموت أمها ثم جدتها فمشاعر الصد والعجرفة من قبل ابن عمها والذي كان الرجل الوحيد الذي تكن له حبا شديدا غير معلنا..إلا تلميحا, والذي يقرر مثل الآلاف من شباب جيله الهرب والهجرة إلى أوربا والبلدان العربية والانتقال بين مدنها ومرافئها واكتفاءه بإرسال الرسائل الساخرة التي تهاجم أساليب حياتها وحياة العائلة والأجيال السابقة التي يعتبرها في طريق الانقراض.
بطلة القصة الراوية, خريجة كلية الآداب-الانكليزي- وهي مغرمة بأدب جيمس جويس, بشكل كامل وتتخلل ذكرياتها في الغالب مقاطع من قصائد جويس التي تقوم بترجمتها إلى العربية, وهي طوال الرواية مشدودة إلى الى حلم –كابوس- يصور وجودها وحيدة مع حفار القبور في مقبرة وهي مسجى عليها فيما يقوم الحفار بأعداد قبر لها ....وفي اللحظات الأخيرة يظهر منقذ-مخلص- يطلب من حفار القبور أن يدفنه بدلا عنها... هذا الحلم الذي يتكرر منذ الطفولة إلى نهاية القصة مصاحبا بمقاطع من ترنيمة
للمقابر.... لموزارت.....
Re quiem-D-minor ربما تكون الطفلة قد سمعته من غرفة أبيها العلوية في طفولة سحيقة أو في مدرسة البالية والرقص حيث أتمت فيها دراستها الابتدائية, هذه المتلازمات الثلاث ستكون محورا حياتيا ملازما لشعورها الدائم باليتم وانسحقاتها المتكررة تحت تأثيرات الشك المتكرر والدائم... والقرغولي بذلك يعيدنا وبعمق كبير إلى دائرة الشك الشكسبيرية من حيث يقصد أو لا يقصد .. وهذه الإحاطة سنراها في نهاية الرواية حيث تعود الكلمات الأولى لافتتاح الرواية لتكون ذاتها كلمات النهاية في تشكيل دائري لا نهائي يبعث على الكثير من الاسىى والمشاركة الوجدانية مع البطلة التي قد تكون أي واحد منا حين يطوق بدائرة أبدية.. دائرة ثيمة الشك الذي هو محور حياتنا في السعي للوصول إلى اليقين..من كابوس المقبرة وتوهم رؤية أبيها في الأيام الأولى لموته وتعلق ذلك في النهاية بالرؤية الوهمية لــ (ج ج) الذي يطاردها بين وهم وحقيقة تضيع فيها البطلة حتى النهاية وبعد صفحة المنتصف بالذات واعتبارا من اللوحة 14من الرواية يبدأ مستوى ثان من السرد,حيث نبدأ رحلة جديدة ثانية وجديدة من الشك والعذاب والاقتراب من حافات الجنون مع احد زبائن المكتبة- الميت أصلا- والذي كان يعمل كوالدها مهندسا مدنيا..والذي غرق في نهر دجلة أثناء قصف جسر الجمهورية وهو الذي قد ترك مؤلفا واحدا من القصص والقصائد تحت عنوان(الضفاف السعيدة) والذي يحضر- أو قد يحضر شبحه- إلى المكتبة لاقتناء نسخة من كتابة بين حين وآخر وهنا يكون ترابط ثان بين الأب الذي ترك تراثا من التصاميم كأبنية في بغداد تتشوق البطلة إلى رؤيتها بين حين وآخر وبين الأثر الأدبي الذي تركة المهندس المؤلف للضفاف السعيدة(ج ج ) وهنا يظهر واقع البعد الرمزي للقره غولي بكون الضفاف بسعادتها هي وجود حقيقي وشهادة حاضرة رغم الموت والجنون والشكوك المحيطة بتفاصيل الحياة..في هذا المستوى تظل البطلة تتقصى عن الوجودين.. الحقيقي-الماضوي- والوهمي _الحاضر- لشخصية(ج ج) الذي يصبح صديقا لها ومعوضا -نفسيا- وكاشفا لرؤية جديدة ,حاضرة للمدينة ويدفع بها إلى المشاركة في تخفيف آلام اليتامى في ملجأ هو الأحر من تصميم والدها ...وتصاحبه في شراء الهدايا وزيارة الملجأ ..ومع تصاعد السرد يكون كل ذلك عرضة لشكوك الآخرين واعتقادهم بأنها (أي البطلة) تعيش حالة شيزوفرينية وتبلغ الحكاية ذروتها مرة أخرى في الصفحة 108 حيث تلتحم في ذهن المؤلف والقارئ صورة لأبيها بعد موته بأيام حين يلتقيها-كطفلة- في باب الدار ويعد بالعودة في العيد ووجود هذا الميت –الحي- كأمنية عميقة ,دفينة, متماهية في الواقع –من الناحية السيكولوجية-.
تستمر اللوحات إلى مستوى ثالث في اللوحة 16 صفحة 116 وما بعدها حيث تتطور العلاقة بين البطلة و(ج ج) الذي يرمز إلى اسم المهندس جهاد جليل وترمز إلى (جيمس جويس ) أيضا هذا المستوى يستمر إلى نهاية اللوحة 17 صفحة 135 والتي كان من الممكن للرواية أن تنتهي عنده دون تقصير كبير ولكن الروائي شاء أن بصل المستوى الرابع لاستكمال حلقة الشك الدائرية اللامنتهية وكشفه للمزيد من الترابط بين اللحن الجنائزي لموزارت وقصائد جويس وابرازة للازمة الوجودية العميقة التي تحيط بالبطلة وعذاب حبها المهان المقموع وذكريات موت أقرباءها وشعورها بالتحول إلى كيان فرد وحيد معزول في النهاية..ويظل الحلم القديم-الكابوس- وتظل المقبرة والمخلص وموسيقى موزارت متلازمة وملاحقة تطاردها من جديد وهي في أشعار جويس كسلوى أحادية, وفي اللوحة 19يبدأ مستوى أخير يفتح بابا للأمل حيث يتم وحتى النهاية العودة إلى الواقع والمناقشة المنطقية لحالتها من قبل عائلتها وخطيب أختها وتودع في مستشفى للأمراض العقلية والنفسية تدرك فيه البطلة المتأزمة انه المكان الأجدر بالعيش في ظل تدهور الأمور والعلاقات حتى على مستوى العائلة الواحدة التي يحيط الشك بعلاقاتها من كل جانب, ولكن الأمل الأخير الذي يراودها هو أن تكون مخلصة لصديقها الميت(ج ج) المهندس ذو الانحدار الطبقي الفقير... الذي انزلها من أبراج طبقتها العالية إلى مستويات الحياة البسيطة للناس الفقراء.. وعندها تكون نهاية الرواية هي بدايتها ونفس كلمات النهاية هي كلمات مفتتح الرواية في تقنية حاول القره غولي أن يلم بها روايته في حلقة دائرية للرواية...حلقة مغلقة ...
الرواية تتحدث بأسلوب واقعي تماما وبتناصات مع بعض من برانديلو و,د.ج.لورانس وتعالج خليطا من التحليل النفسي مرورا بالجانب الاجتماعي والطبقي من خلال علاقة بطلة الرواية-التي لا نعرف لها اسم- مع الصديق الحي-الميت-..واللغة فيها الكثير من الشاعرية وتضمين للقصائد بشكل مباشر ..وحتى حركة المستويات فيها الكثير من التكرار الإيقاعي الشعري..الرواية كعمل وبصورة عامة مبنية بشكل متمكن وتجذب القارئ للاستمرار معها لتسلسل إحداثها بقوة وعمق معاناة البطلة فيها وغرائبية الحالة التي تتقمص البطلة حتى النهاية.
أنها رواية من نوع, وأسلوب جديد-قديم على الساحة الروائية العراقية والعربية .....الرواية النفسية البوليسية.
****