مراجعة لرواية باتشينكو
(يا رجل لا تكف الحياة عن تقاذف الناس ولكن لا
يمكننا ترك اللعبة)
هل صحيح ان الحياة لعبة؟
..نعم
لكن اياك أن تقع
في فخ المقامرة، إياك أن تنفق عمرك في المراهنة على الفوز؛ لأنه ببساطة لا شيئ مضمون مهما حفظت من قوانين
فمنذ بدء الخليقة والعالم يحكمه الأشرار، فهم يتناسلون ولا يفنون،
يقولون:
لماذا تقتل الطيور بعضها البعض؟ هل لأن مناقير بعضها أكثر حدة ومخالبها أكبر؟ أم لأن بعضها لايزعجه أن يصنع الموت ليحيا أم لأن الأماني في الطبيعة تقتل بعضها؟
وأن البعض مصلوب على قارعة
الأمنيات
منذور للغربة
كما الحزن منذور لشفة الكمان؟!
«باتشينكو»
ملحمة أثارت ضجيجاً داخل روحي وعقلي.. فكيف يحتوي العالم على كل هذا القبح، والشراسة، والعنصرية، فما وراء القارات البعيدة، أنفس كانت تئن تحت سطوة الوحشة والغربة والوجع.. يولد الإنسان على الفطرة الإنسانية السليمة إلى أن تأتي تأثيرات المجتمع حوله فتفسد فطرته،وتحوله إلى طاغية فتحدث الحروب التي تضع أوزارها عند البعض...
تكتب «لي» حقائق تاريخية عن اليابان التي احتلت كوريا من عام 1910 حتى 1989وكانت تتعامل مع الكوريين على أنهم حثالة لا حق لهم في الحياة فرسمت خط درامي لثلاثة أجيال متمثلًا في عائلة الأب المعاق جسديًا والأم التي أحبته وأخلصت لهذا الحب ولم ترى في إعاقته شئ ينقص منه..
ألقت الكاتبة الضوء على دور المرأة فتمثل في الشخصية الرئيسية الأم وابنتها اللاتي يصبحن بعد ذلك جدات بعد تقدم الأحداث، وبعد أن تنتقل الإبنة للعيش باليابان التي كانت تعتبر الكوريين لاحق لهم في المساواة مهما بذلوا من جهد وتفوق،فكونهم كوريين كفيل بنبذهم من أيمنصب أو سلطة..
السرد كان ماتعًا منظمًا في الرواية، أعيب فقط على الفصول الأخيرة التي اسهبت فيها الكاتبة وكتبت عن ممارسات المجتمع للشذوذ بصورة فجة، وكذلك وصف المشاهد الحميمية بشكل تفصيلي لا داعي له،
- تناولت الحديث عن الحب بأشكال متعددة، الذي وإن زاد أضر، وأعطى نتائج سلبية، فحتى حب الأم برغم أنه حب لا حد له إلا أن المبالغة فيه وإنكار الذات من أجله شئ مرفوض ويأتي على حساب أشخاص لن يتبقى لهم أي فائض من مشاعر بعد أن تفنى كلها في جهة واحدة.
ترى هل من حق أي أحد أن يوسم غيره بالخطيئة مدى الحياة مهما أظهر هذا المخطئ من توبة وجاهد لتطهير ذاته؟
فلا يوجد ذنب لا يُغفر ويمحى.. ولكن يبدو أن قانون البشر دائما غير عادل فالبشر يمنحون أنفسهم صفات إلهية لاحق لهم فيها، فيصدرون أحكامهم ويحاسبون بعضهم البعض، بكل قسوة وبلا رحمة..
تقول الكاتبة:
لم أكن لأكتب الرواية لولا أنني أمريكية من أصول كورية، فكان لابد من أن تكتب عن معاناة وطنها في حقبة زمنية لم تكن بالقليلة وعن بلد لم يكن يعرف الكثير الوجه القبيح الذي كانت عليه
باتشينكو اللعبة اليابانية التي تقوم على المقامرة، والإنعتاق من قيود الجسد والتحرر من السلطة كان هدف الكاتبة من الحديث عن كل هذا الركام الذي خلفته الحرب
اقتباسات
(إذا ما نجحت في شيء ما عليك التعويض على الذين لم يبلوا بلاء حسناً. ومن جهة أخرى إذا فشلت، فإن الحياة ستجعلك تدفع ضريبة ذلك. فالجميع يدفع ضريبة فشله أو نجاحه، الجميع يتوجب عليه أن يدفع بشكل أو بآخر)
-التاريخ خذلنا لكن لايهم
-كانت تحتفظ بقصصه مثل قطع الزجاج التي تجدها على الشاطئ والحصى ذات اللون الوردي التي كانت تجمعها وهي صغيرة، لقد أذهلتها كلماته لأنه كان يمسك يديها ويريها أشياء جديدة لا تنسى).
الرواية في مجملها جميلة ولابد من قراءتها لمعرفة تاريخ ربما مجهول عند الكثير
**** أربعة نجوم تقييمي للرواية