"أظنه أسوأ ما يُمكن أن يفعله الحب بالإنسان، أن تتحول إلى أداة في يد شخص آخر، كرة لينة من عجين أو صلصال، يُشكلك كيفما شاء، سعادتك بيده، تعاستك بيده، حياتك نفسها بيده، هل ثمة ما هو أشد مهانة من أن تفقد السيطرة على دفة سفينتك فيتحكم بها شخص آخر باسم الحب؟ يقودك حيثما يُريد، للغرق أو للبر لا تعرف."
يقول "حجي جابر" عن كيف أتته فكرة الرواية:
"التقطت فكرة الرواية من عبارة وجدتها مستفزة في كتاب آلان بورير "رامبو في الحبشة" حين كان ينقل عن رفاق الشاعر الفرنسي قولهم ".. وكانت لديه عشيقة حبشية أحسن معاملتها..". بدا غريباً لي من الوهلة الأولى أن تتم الإشارة إلى إحسان المعاملة كفضل وتكرّم، كما لفتني غياب اسم العشيقة. هذا الإعتام قادني إلى فكرة محاولة الإضاءة على تلك الحبشية ومن خلالها رؤية آرتور رامبو في نسخته الحبشية."
فذلك قد يحسم جدل هل الرواية مبنية على أحداث حقيقية أم لا، ولكن المسألة أعمق من ذلك بالنسبة لي، فـ"حجي جابر" استطاع من خلال جملة واحدة، أن يبني رواية كاملة، ومثلث حُب كلاسيكي، بين رجلين وفتاة، مع لمسة إضافية، فالمثلث دائماً ما نجد الرجلين يتصارعا على الفتاة، ولكن، هنا كانت الإضافة الغريبة ولكنها ملائمة تماماً، لكي يحكي "حجي جابر" حكايته.
من خلال ثلاث شخصيات، آرثر رامبو؛ الشاعر الفرنسي، الذي هجر الأدب، واشتغل بالترحال والتجارة، ليس غريباً على مشاء متمرس، يُحب المشي أغلب الأوقات، لتأتي لعنته في أكثر ما يُحب، "ألماز"، الفتاة النازحة إلى "هرر"، لكي تبحث عن شيئاً لا تعرف كُنهه، و"جامي"، الذي يُحاول أن يكسب قلب "ألماز"، بكل الطُرق المُمكنة، ولكنه دائماً ما ينتهي به الحال مسكور القلب، والروح
فكرة الرواية، عادية، ولكن لغة الرواية، أكثر من جيدة ومُمتازة، فالحكاية وحبكتها متوقعة، وكان الكاتب دائماً ما يُعطي إشارات طوال السرد، لما ستتجه إليه حكايتنا، ولكن التشريح الدقيق للمشاعر وأفكار الشخصيات الثلاثة، والتنقل السلس بين أفكارهم من فقرة إلى أخرى، هو ما يُميز هذه الرواية، بالإضافة إلى الصبغة التاريخية للأحداث، وتأكيد "حجي جابر" أن الحب دائماً ما ينتج عنه كسرة القلب، كما حدث لشخصيات روايتنا.
طوال أحداث الرواية، كان هناك العديد من الإقتباسات الرائعة، فقرات كاملة سأظل أتذكرها طويلاً، واحتفظ بها، لائمت مشاعر الشخصيات والأحداث، ولكن، كان هناك إقتباس لم يرد في الرواية، ولكنه ظل يتردد في ذهني طوال أحداثها، وهو إقتباس لـ"خورخي فرانكو"، من روايته "روساريو"، بترجمة "مارك جمال":
"الحب يفتك بالمرء، ويرهبه، ويحط من قدره، ويمرغه في الوحل، ويخدره!"
رواية جميلة، يُنصح بها، وتستحق ترشحها للقائمة الطويلة للبوكر، وقراءة أولى للكاتب "حجي جابر" تعد بالكثير في رواياته السابقة.