صالح، نديم، ابن عباس، حافظ، ماركس، أبو نواس! بطل واحد يمتلك عدة أسماء وعدة شخصيات! هكذا تميزت رواية العتوم الجديدة بتلك الشخصية المتخلخلة عقليا! التي لا تتيح لك كقارئ حتى حرية اختيار الاسم المناسب لتلك الشخصية التي اذا عرفت اسمها حقاً ستخرج بطلها من مأزقه ليعرف هو أيضاً نفسه! لكنك تبقى في حالة حيرة حتى النهاية التي يختارها "صالح"بنفسه وما كان للانتصارات العظيمة أن تتحقق الا من ذوات أنفسنا!
الرواية تتحدث عن طبيب عبقري مريض عقلياً منفصم وضائع يين ستة شخصيات مختلفة امتلكها وامتلك اسمائها منذ طفولته.. كانت تلك الشخصيات تتصارع داخل عقله حتى أنتجت شاباً مخبولاً متسولاً فقيراً قام بحرق منزله وكتب أبيه وعاش خمس سنوات كاملة في فندق رخيص !
في الحقيقة من الجوانب الأكثر إيلاماً وقهراً لقارئ هذه الرواية هو تأثر البطل بوالده السكير الشيوعي الذي كان يسقي ابنه الخمر وهو ابن اثني عشرة عاماً! كما أجبره على تقلد اسم ماركس! كان واضحاً تأثره الشديد بوالده واعتباره قدوة له.. وحبه الشديد له واحتقاره لأمه التي لطالما كان لها دور في تحمل خبالة الاثنين معا ً حتى النهاية!
ظهر في شخصية البطل جانب العنف الذي أخافني وأقلقني ولم أستوعب حقاً كيف استطاع العتوم أن يتجاوز عن ذلك الجانب الخطير في النهاية وبهذه السهولة.. حيث كان يأكل قلوب مرضاه في العمليات الجراحية ويتجرع دمها، وكان كلما غضب من شخص تخيله على طاولة التشريح يفتح صدره ليأكل قلبه...! أو لربما جُعل هذا الجانب واحداً من هلوساته الكثيرة التي هيئ له انها حقائق حصلت...
احد تلك الهلوسات كانت فتاة ليل تدعى ليندا.. كانت تظهر له ويحادثها ويكلمها كلما وقع في مأزق وتقول له.. أنا أنت! كان يحتقرها ويكره ظهورها ويهرب دائماً منها.. والغريب انها كانت تدفع عنه أجرة شقته وظهرت في النهاية لتخبره أنها تحمل ابنه في أحشائها فاشتظ غضباً حتى اصطدم في النهاية بحقيقة عدم وجودها باثبات كل من حوله وأنها كانت محضا من خياله !
الرواية تقع في 199 صفحة لكن بأحداثها المتسارعة أحسست أنها مزدحمة بالكثير وكانت تستحق مزيداً من الصبر بين أحداثها...
خصوصاً النهاية! تلك النهاية السعيدة التي لا أدري هل أذم مثاليتها وبساطتها أم أشكر المؤلف على هذه السعادة التي قدمها لنا بعد كل هذا البؤس الذي رافقنا طيلة الرحلة بين صفحات الرواية حتى انجلى في نهايتها وذاب كما ذاب الحزن في عيني "جميلة "ذات الثوب القرمزي ...
كان غريباً وبعيداً عن الواقع نوعاً ما ارتباط طبيب براعية! ولكن ما المانع ان كان اصلا طبيباً مخبولاً وكانت تلك الراعية هي من أعادت له عقله من جديد!
الكتاب مختلف بأسلوبه عن بقية ما كتب العتوم... سهل بسيط لغته قوية.. أعجبني ذكر العديد من الفلاسفة والشعراء والمتصوفين والفنانين.. متنوع ثقافياً
انتقادي الوحيد هو الاسم.. صراحة لم اجده مناسباً كثيراً للرواية رغم ذكر جزئية تلك الرؤوس التي كانت تظهر له كل فترة وكانت أمه تسميها رؤوس الشياطين.. لكن لم أر أن الفكرة تتمحور فقط حول هذه الجزئية بل تجاوزتها الى أعماق أبعد من ذلك!
تقييمي 4/5
أيمن العتوم
#أيمن_العتوم
#رؤوس_الشياطين