كل ما في القصة واقعي.. كل الأحاديث، وكل المآسي، وكل الآلام، وكل الآمال.. وجمالها يكمن في تفاصيلها الدقيقة.. وإن كانت قَصُرَتْ قليلاً عن توقعاتي من الروحانيات التي كنت أنتظرها فيها، ولكنها قد عوضت من جوانب أخرى مثل الرسائل التي أوصلتها هذه الرواية والوعي الذي حاولت أن تبثه في جنبات قارئيها.. وإن كنت أعارض بعضها ولكني لم أجد البديل بعد لما ذكره.
ما إن بدأت القراءة إلا سارعت بتوقع وتخيل ما ستكون النهاية.. قد علمت أنه سيكون هنالك تغيير في نفوس الشخصيات.. تغيير كنت انتظره، أتطلع اليه، بل ومتأكدة منه، بثقة. وها أنا أنهي القراءة ولا أجد ما وضعته في مخيلتي. بالفعل لقد حصل التغيير الإيجابي في نفوسهم، لكنه لم يكن كالذي توقعته. ربما ما توقعته نادر الحدوث، ولكن مع العمري كان التغيير واقعياً وليس جذرياً. لم تكن قصة تغيير تقليدية كالتي نسمعها من الشيوخ بين الحين والآخر، مثل "ها هي الفتاة ارتدت الحجاب وقررت أن تداوم على الصلاة الخ".. لكنه كان تغييرا ممكن تسميته بالمبدئي .. بقياس أربعين درجة .
أسلوب هذه الرواية جديد كلياً بالنسبة لي، أن أقرأ فصول متقطعة معنونة باسم الشخصية تجمع بين رؤيا مختلفة للأمور من وجهة نظر كل شخصية لا من جانب الراوي . كانوا عدة رواة لقصة واحدة، اجتمعت تفاصيلها لتتكامل وتعطي القارئ نظرة على الأحداث من جميع المقاييس. وكانت النقطة الأغرب هي إدخال قصة من تاريخ العباسيين ودخول التتار للعراق لقصة أحداثها تجري في هذا القرن! في البداية قد تتفاجئ بها حيث تبدو خارجة عن السياق، ولكن في النهاية سيتكشف لك سبب تضمينها مع شخصيات القصة بلفتة ذكية من الكاتب، تفصح عن رغبته بتخليد ذكرى من التاريخ العراقي الأصيل، ذكرى رجل تمنى أمنية تبين استحالتها..
بعض التفاصيل عن الحرب العراقية الطائفية والتمثيل في الجثث قد تكون قاسية، ولكنها قسوة مطلوبة، قسوة تهز الإنسان لتعيده لوعيه. قسوة قد تظهر مأساة عاشها العراق وفعلت الأفاعيل به وهاهي الآن في سوريا أضعاف مضاعفة. قسوة تقول إلى متى؟
أحببت في القصة أنها تفتخر بجذور شخصياتها، بجذور كاتبها، بالذكريات الجميلة لهم في العراق. أحببتها لأنها عرفتني على بعض ما في العراق وعن أهله وثقافته التي لم أكن أعرف عنهم إلا النزر اليسير.
بكيت كثيرا مع بكاء الشخصيات، لم أكن أبكي الشخصيات، ولكني كنت أبكي نفسي. بكيت على فراق لم يحدث، بكيت على جدار الكعبة، بكيت ذنوبي وبعدي، بكيت في الروضة الشريفة، مع إحساسي بقربي منه صلى الله عليه وسلم.. بكيت شوقي وحنيني.. بكيت وقلت يارب. كنت أقرأ عن مريم وأتذكر كل طفل مسلم نشأ في الغرب وتطبع بطباعهم وما أكثرهم.. قرأت عن سعد وتذكرت كل من يشبهه، كل من يريد فقط من يفهمه.. قرأت عن ميادة وآلامها والمآسي التي مرت عليها وتذكرت الكثيرات من الأمهات اللواتي عانين مثلها.. قرأت عن حيدر وأحسست بالشفقة على كل الحيدرات المتأجنبين!
كعادة العمري، دائما ما يأتي لنا بالفريد.. وها هي رواية "كريسماس في مكة"، بعنوانها الجذاب الغريب تنضم لهذه القائمة.. جزاك الله كل خير.