معادلة صعبة أن تشعر بمتعة القراءة وجمال النصّ وسلاسة الأسلوب مع حبكة مُشوّقة بقلم روائي عربي.
لهذا أتت هذه الرواية كهدية على انتهاء عام ميلادي، هدية جمعت فيها كل ما أحب قراءته في رواية... حبكة، لغة فُصحى سلسة، أفكار جريئة، مشاعر عميقة، حقيقة ذات أوجه متعددة.!
لعلّ أعظم سبب لتغيير العالم الحديث لهو فترة الحرب العالمية الأولى والثانية، وأعتقد أن تلك الفترة الزمنية تحديداً هي ما أطلق العنان للأدب الأوروبي أن ينطلق إلى آفاق غير مسبوقة مُحمّلة بآلامهم بعد عقد سيطر الأدب الروسي وحده على مجريات عالم الأدب.
البؤس والوحدة والخوف والرعب والفقد كلها أوجه عديدة لحقيقة واحدة، يتحمّل العالم آلام رهيبة، ويعاني الناس أقسى معاناة بسبب حُكّام لا يرون في تلك الآلام إلا سلماً للوصول إلى أمجادهم باسم دولهم وممالكهم. بعدها يظل من بقي على قيد الحياة فيهم منسيين متقوقعين في ذواتهم، يجترون تشوهاتهم التي لم ولن ينجح الزمن في معالجتها.
صراع النازية ضد معارضيهم كان بشعاً، تم توجيه الرأي العام كي يقتصر رؤيته على ظلم اليهود الألمان في تلك الفترة، رغم أن الصورة تجمع العديد من الأعراق الأخرى. ولم يكن ليسمع عنهم أحد لولا تكريس جهودهم لتلميع وجودهم وتحقيق مكاسب سياسية ضخمة مازالوا يحصدون نتائجها حتى اليوم.
لكن هذا لا يمنعني أن أتعاطف مع اليهود المدنيين الذين عاشوا أوقات جنون هتلر، تلك العائلات التي تم الإجهاز عليها وترويعهم قبل ترحيلهم إلى معسكرات الموت. هذا الجنون الذي لا يأبه لتضرعات أب أو أم أو طفل. هذا الهوس المرعب يتحوّل إلى رأي عام، ليصير أمراً عادياً لا يراه الناس مهولاً... وما الجنون في سحق الحشرات مثلاً؟
يرجعني ذلك تلقائياً لأوامر رسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام للجنود المسلمين أثناء الحرب ودخول القرى والمدن، ألا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً، أو امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا معتصماً بصومعة، ولا تقربوا نخلاً، ولا تقطعوا شجراً، ولا تهدموا بناءً.
إن ترويع الآمنين لهو من أشد أنواع الخوف خاصة الخوف على أهلينا.
جمعت الرواية جميع وجهات النظر المختلفة باختيار ذكي من الكاتب باعتماد أسلوب تعدد الرواة، مما أعطى للرواية فرصة لتوضيح الآراء المختلفة في القضية.
أعجبتني القصة والحبكة وأسلوب التشويق وقضيتها.
لم تعجبني بعض الحوارات في الربع الأخير ، شعرت بأنها مباشرة أكثر من اللازم. كما لم تعجبني آخر جملة في الرواية رغم صدقها، لكنني أُفضّل حذفها.
رواية قصيرة تقع في 197 صفحة، ممتعة أنهي بها عاماً حافلاً بالكتب.
وشكر خاص لمن رشّح لي الرواية
تقييمي 4 من 5