لماذا صرنا نحب أشرار الأفلام ونتعاطف معهم بل وندافع عنهم ونلتمس لهم المعاذير في حين يكون جرمهم واضحاً ولا يقبله عقل ولا منطق، ولو سمعنا عنها في حياتنا الواقعية لأنفنا حتى من الحديث عنها فضلاً عن التعاطف معه؟
هذا كان المحور الأساسي لهذا الكتاب المميز الذي مشى بنا مستعرضاً تاريخ صناعة الأفلام وشركاتها وتاريخ شخصيات الأبطال الخارقين وأشرار الأفلام وأسباب صنعها وجذورها النفسية والسياسية المأدلجة، حتى ينتهي بنا إلى كون كل شيء مرسوماً ومخططاً وله هدف عميق يصب في مصالح أشخاص أو جماعات أو طوائف أو حتى بلدان وقارات (لا يتحدث الكتاب عن نظرية المؤامرة، ولكن يستعرض تاريخاً معروفاً).
عرض لنا الكاتب أولاً نبذة عن أهم الأفلام التي تعتبر الأكثر تأثيراً في نفوس المشاهدين والتي جذبت التعاطف الأكبر مع الأشرار في نفوس المشاهدين حتى باتوا يتقمصونها ويتخذونها قدوات. فوضح لنا تاريخها وكيف حُرفت في النسخ الجديدة لتناسب متطلبات المشاهد المعاصر، ولتناسب نظريات "هندسة الجمهور" و"التسويق" بشكل أكبر. فما بدأ كخيال محض بات اليوم مستنداً في أحداثه على علم النفس والاجتماع وعلم الجريمة، وبات سلعة تدر الملايين، وسلاحاً تقاتل به الدول بعضها وتؤثر في نفسيات المشاهدين حسبما ترتأي.
تناول الكاتب في فصل مستقل أهم نظريات علم النفس ودراساته التي تشرح سبب التعاطف مع الأشرار، وتلك التي تتناول التأثير في العقل الباطن وطرق التفكير. مبيناً كيف أننا حتى ولو كانت لدينا مبادئ راسخة لا تقبل الجدل ، فإن تكرار مشاهدة ما يخالف هذه المبادئ (كأفلام العنف والرذائل والشر) سيزرع في عقلنا الباطن قبولها أو تقبلها شئنا أم أبينا.
وقد كان للكاتب هنا مقولة رائعة تفيد بأن العقل الباطن لا يستطيع الفصل بين الحقيقة والخيال فيما يعرض عليه من صور وأفكار، مما يجعل تكرار عرض هذه الأفكار على العقل الباطن (المغلوطة منها والصحيحة على حد سواء) سبباً ليعتقد صحتها او مقبوليتها، زارعاً في النهاية هذا القبول في العقل الواعي، لتتغير الأفكار والقناعات والعواطف تبعاً لذلك.
وفي هذا نقطة مهمة جداً نوّهنا عنها القرآن الكريم تقول " وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم" وفي هذا تأكيد صريح على كون التعرض لما يخالفنا ذا أثر على أفكارنا، فلا يجب القرب منها حتى لا نتأثر بها. ومثل ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على طاولة يدار عليها الخمر، لألا نستسيغ الحرام مع الوقت فنقبله فنقع فيه أخيراّ، ومن حام حول الحمى أوشك ان يقع فيها...
عرض الكاتب بعد ذلك تاريخ أهم المفكرين والفلاسفة الماديين والداروينين والملحدين، مبيناً حضور آرائهم وحتى مقولاتهم في أبرز الأفلام والقصص المصورة، مستعرضاً تاريخ حياتهم وأهم فلسفاتهم، وقد كان هذا الجزء مملاً بعض الشيء بالنسبة لي مما دفعني لأنقص نجمة من تقييمي.
بعد ذلك دلف للحديث عن تاريخ صناعة الأفلام، وتاريخ شركات الأفلام وأصحابها (والذي اتضح أن جميعهم دون اي استثناء هم من اليهود)، وتاريخ شخصيات الأبطال الخارقين، ومناسبات صناعتها، وتأثير السياسة والحروب و الآيديلوجيات الحكومية على سير أحداثها. فاستعرض تاريخ سوبرمان وباتمان وسبايدرمان والمرأة الخارقة والرجل الأخضر وغيرهم، ودور كل منهم في التأثير الكبير والجذري على الوعي الشعبي في وقتهم. تحدث عن عن الأشرار الذين يواجهون هؤلاء الأبطال، وكيف انتقلت أدوراهم من مجرد شخصيات ثانوية إلى شخصيات محورية يتم التركيز عليها أكثر من التركيز على الأبطال أنفسهم، وفي هذا ما فيه من الأهداف والرؤى.
وفي النهاية تحدث عن يقظة بعض الدول لهذا الموضوع وعملها على عكس تأثيره السلبي على مجتمعاتها، كاليابان وكوريا والصين، في محاولة لترسيخ الثقافة التي تحاول تلك الأفلام تصديرها إلى بلدان العالم بأسره، فكان منها أن أتت برسوم المانغا والانمي لترسخ القيم العائلية والدينية والمجتمعية التي أفسدتها الأفلام الأمريكية.
كان الكتاب لغة وطرحاً وأسلوباً رائعاً وجديداً وممتعاً جداً، قرأته بجلستين على الرغم من تعديه الـ300 صفحة، فقد كان عبارة عن تجسيد حي لفكرة أنه لا شيء يصنع وينشر دون هدف. والذي يظن أن الإعلام وصناعة الأفلام هي ترفيه مجرد ومحض، فليعد النظر في حساباته مئة مرة. فالسياسة باتت هي المتحكم الأول والوحيد بصناعة الأفلام، دافعة الناس لكره من تكره وحب من تحب، وخير مثال على ذلك تصوير المسلمين بالإرهابيين والمتخلفين في ما يقارب جميع الأفلام اليوم. فالـتوجه السياسي اليوم هو محاربة الإسلام وتنفير الناس منه، وعلى هذا تبنى تلك الأفلام والرؤى والمشاهد. وقد كان أيضاً كره الروس هو التوجه منذ عقدين من الزمن، ورأينا ذلك واضحاً في أفلام تلك الفترة، فهل نستطيع الادعاء بأنها محض مصادفة أو توجهاً شعبياً سائداً في تلك الفترة؟ بالطبع لا، ولكن هل من معتبر؟