قصة رائعة ومؤثرة بحق، تستجدي دموع العين للانهمار حزناً على واقع مر لا نعرف ما إذا كان سيتسنى لنا يوماً الخروج من أتونه أم ستدركنا لفحات ناره التي قد أحرقت كل ما هو جميل في هذا الوطن البائس.. آه كم من مآس تحدث تحت سقف هذا الوطن .
قصة الرواية كانت جيدة ولكنني قيمتها بنجمتين فقط لأنها قصة يتسع لها ما لا يزيد عن مائة وخمسين صفحة على الأكثر ..
ولكن كاتبنا أحب أن يضيف لهذا العدد مائتين أخريين؛ ولكن من الحشو الصافي النقي الذي لا تشوبه شائبة.
فأصبحت الرواية "خاوية" أو تكاد، إلا من الحشو والتفاصيل السخيفة التي لا تهم القصة ولا الأحداث ولا القارئ على حد سواء. وإنما كانت للتطويل فقط ولزيادة عدد الصفحات - وهذا هو الحال مع كل روايات العتوم - حتى تماشي الرواية "الموضة" بأن تكون طويلة فتجذب أنظار القراء ، فيحول قصة رائعة إلى رواية ضعيفة مملة بفعله هذا كل مرة .
الراوي المتمرس يجعل التفاصيل في روايته متعلقة بالقصة وتابعة لها.
فالتفاصيل إما أن تكون مساعدة للقارئ على فهم الشخصية، أو أن تكون موثرة على مستقبل الأحداث في القصة أو أن تكون تفاصيل شخصية عامة تسهم في تحويل تفكير القارئ إلى الإعجاب بشخصية ما أو كرهها .
وما عدا هذه الثلاث فتكون تفاصيل صغيرة تجري في سياق القصة ، لا القصة تجري في سياق التفاصيل السخيفة..
العتوم هو كاتب متمرس ولديه المخيلة والأسلوب وسلاسة الكلمات وإيقاعها وتأثيرها، ودائماً ما يختار قصصه من صميم الواقع المؤلم، ولذلك أستمر بالقراءة له كل مرة.
ولكنه مصر دائماً على تشويه الجمال الذي يكتبه بحشر الحشو المبالغ بطوله، ولذلك أيضاً لم يزد تقييمي لرواياته يوماً عن النجوم الثلاث.
صفحات الرواية كانت تحليلاً للطقس ودرجات الحرارة ، وجغرافية المكان وتضاريسه ، ودروساً في الجيولوجيا وطبقات الأرض وأنواع الصخور، وعرضاً مفصلاً لتاريخ الاشياء التي كانت تستعملها الشخصيات وأنواع أقمشة الملابس التي ترتديها وتشكيلة الألوان ، عدا عن الفلسفة والروحانيات والسياسة والاقتصاد.
فعلاً كانت رواية متكاملة تتناول جوانب الحياة كلها!!
وبالطبع نرى بين حين وآخر أحداثاً للقصة مترامية هنا وهناك في غابة التفاصيل .
وجدت فيها نوعاً من التسييس، واختلاقاً لأحداث لم تقع ولم أدر لوضعها سبباً، بالاضافة لبعض "التعالي" المبطن والملموس في سياق الأحداث والحوارات .
ولكنني خرجت من هذه الرواية بفهم أكبر عن مرض التوحد وشخصية طفل التوحد وكان هذا من أكثر ما أعجبني في الرواية .
قصة جيدة أعجبتني وُضعت في إطار روائي سيء كرهته ، فكانت النجمتان كتقييم للقصة دون الرواية.
لكن مع كل هذا الذي ذكرت، فأنا على ثقة بأنني سأقرأ مجدداً من روايات العتوم.