لطالما تساءلت من يقرأ من؟ هل بحق نحن من نقرأ الكتب أم الكتب هي التي تقرؤنا... من يختار من؟ نحن نختارها أم هي تختارنا؟ .. مقبرة الكتب المنسية أو ظل الريح تصارحنا بالحقيقة.. الكتب كائنات حية ترفض أن تنقاد.. تقبل فقط بالعلاقات الإيجابية من الطرفين.. أنت لن تفهم ذلك أو توافق عليه إلا إذا كنت لا تتعامل مع القراءة على أنها هواية... لكن على أنها النفس الذي يتردد في صدرك والدم الذي يسري في عروقك... لا... كل هذا يذهب... وتبقى الروح... إذن هي الروح...!
هذا الـ ( زافون) جعلني طيلة الوقت أنظر في المرآة.. طيلة الوقت تطاردك الرواية بلا توقف دون أن تمنحك وقتا للراحة.. تتعامل مع عقلك ونبضك على أنهما من أملاكها الخاصة.. ترى هذا التوازي بين أحداث الرواية التي يحكي عنها الكتاب وحياة الراوي او الشخصية الرئيسة للعمل وظلال كل منهما على الأخرى وكأن كلا منهما تعيد صياغة الأخرى.. ليس هذا فحسب .. بل ترى أثر الكتاب .. أو الحياة التي خلقها خوليان يوما ما على كل من سمع بكتابه.. على كل من رآه.. على كل من حاول الاقتراب منه بجسده أو بروحه... في السطور تصطدم بالتاريخ.. تاريخ الظلم والقهر والجريمة والجنون... تاريخ الصداقة والحب والفقر والثراء.. تاريخ الشرف والوضاعة.. تاريخ الأحلام والأوهام والواقع... تصطدم بكل شيء ولايتركك هذ الكل شيء قبل أن يضع بصمته عليك.. ربما تعجبت أحيانا من سذاجة اعترافات بعض الشخصيات الرئيسة في الرواية لهذا الغريب الأقرب إلى الطفولة من الرجولة دون قيد أو شرط... خدعوه أحيانا غير أنهم جميعا كانوا يريدون أن يتحرروا بكلماتهم.. أن يحكوا.. حتى ولو كانت بعض التفاصيل مزيفة.. أو مخفاة...
كنت أعرف حل لغز الرواية منذ البدايات.. فمن ذا الذي يصر على حرق روحه وطمسها كلية إلا كاتبها.. كنت أثق أنه ينتقم من نفسه ومن كل من لم يقرأه.. من لم يعره وقتا ليعرفه.. وممن يعرفه أيضا... كان يتلذذ بتعذيب نفسه.. والآخرين الذين لا يريدون أن يقرأوا التاريخ ليصححوا القادم... الآتي من بعيد..
عمل سخي يستحق أن يتخلل مسام روحنا ويمتزج بها حتى اللانهاية..